بقلم غالب قنديل

سقوط الفهلوة الحريرية

masref lb

غالب قنديل

نشرت صحيفة السفير صباح اليوم مقالا أقرب إلى تقرير إجمالي عن الكارثة الاقتصادية المحدقة بلبنان كتبه محرر الصحيفة الاقتصادي الزميل عدنان الحاج المعروف بدقته وتأنيه في استعمال المعلومات وتوظيفها وقد تضمن المقال مؤشرات رقمية عديدة عن ارتفاع البطالة وركود الاقتصاد وتراجع الاستثمار والودائع وزيادة الديون المشكوك في تحصيلها وتضخم العجز في ميزان المدفوعات والميزان التجاري وفي الخزينة العامة إضافة إلى تراجع الرساميل والتحويلات والانطباع العام الذي وصل إليه الحاج كحصيلة حمله لعنوان مقاله :هل يسير لبنان على طريق اليونان ؟

هذه النتائج والمؤشرات الخطيرة هي الدليل على بلوغ لعبة لحس المبرد حدا من انعدام الفاعلية ينذر بخروج الأزمة عن السيطرة لأن الهندسة المالية البارعة التي يديرها مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامة تستنفذ قدرتها على تأجيل الانهيارات الكبرى فقد بنيت المعالجات النقدية والاقتصادية منذ التسعينيات على فلسفة الاقتصاد الريعي وبأدوات تثبيت سعر الصرف ومراكمة الدين العام وقد شكل خراب القطاعات الإنتاجية وتضخم القطاعات غير المنتجة سمة مميزة للنهج الحريري الذي يحكم البلاد منذ اتفاق الطائف بالليبرالية المتوحشة.

يمكن الاستنتاج بوضوح ان هوامش ترميم القدرة الشرائية للبنانيين تضيق وهو ما يدل عليه تراجع التحويلات والرساميل الوافدة سواء بانكفاء المال السياسي ام بزحف الركود في بلاد الاغتراب بدون استثناء سواء في أفريقيا ام اميركا اللاتينية ومؤخرا في المملكة السعودية وسائر دول الخليج وهذه العوامل جميعا ليست عابرة بل هي تعبير عن تغييرات محورية وهيكلية في الاقتصاد العالمي مرشحة للاستمرار لعشر سنوات على الأقل وفقا لجميع الخبراء الاقتصاديين .

حتى المخرج السريع والسهل الذي تخيلته الدوائر السياسية العليا في النظام اللبناني والمتثمل بمباشرة استخراج واستثمار الثروة النفطية المكتشفة في المياه الإقليمية بات محدود الجدوى والفاعلية مع الميل الهيكلي في أسواق النفط العالمي لتراجع الأسعار ولمدة غير قصيرة قد تتخطى عشرين عاما مقبلة وفق بعض التوقعات.

هي ساعة الحقيقة التي طمستها نظريات السنيورة المنسوخة من الوصفات الأميركية المكرسة للهيمنة على العالم الثالث اقتصاديا وسياسيا وقد بات من المحسوم في الواقع العالمي الجديد ان موقع لبنان المجدي سيكون الارتباط بالتكتل الشرقي الصاعد الذي يضم روسيا والصين وإيران وسورية بدلا من الارتهان للمحور الأميركي الغربي الخليجي الذي استنفذ قدرته على مد الاقتصاد اللبناني بفتات مالي وعائدات ناتجة عن الاقتصاد الريعي ووظائف الخدمات الطفيلية .

الإصلاح الاقتصادي بات بندا يستحضر نفسه على جدول الأعمال السياسي وكل تأخير في ذلك سيرفع الكلفة على اللبنانيين فلا بديل عن إحياء القطاعات المنتجة وإعادة هيكلة الدولة ومؤسساتها وفقا لمنظور منتج وبالشراكات الإقليمية والدولية المجدية التي توفر فرصا مناسبة لحل معضلات لبنانية كثيرة في مجالات الطاقة الكهربائية والنفط والغاز وسوى ذلك من القطاعات الصناعية والزراعية من خلال التكامل مع سورية روسيا والصين وإيران في طريق الحرير الجديد الذي يمكن معه للبنان ان ينهض بدور نوعي نتيجة ما يختزن من المزايا الجعرافية والاقتصادية ومن الكفاءات البشرية العالية في جميع المجالات .

يبقى التذكير بفارق رئيسي عن اليونان وهو ان ديون اليونان في معظمها ديون خارجية بينما الدين العام اللبناني هو للقطاع المصرفي الوطني وهنا لا مخرج من دون التفاهم الداخلي مع القطاع المصرفي على إعادة هيكلة الدين العام والخاص بصورة تسمح بإسقاط الفوائد الربوية المتراكمة على مبالغ الدين العام والاتفاق على جدولة واقعية لجميع الديون الداخلية بمضمون مسؤولية القطاع المصرفي عن تحمل الأعباء بما يعادل نسبة ما جناه من العائدات خلال العقدين الماضيين حيث كان القطاع الرابح الوحيد في اقتصاد خاسر ومتراجع وهذا يفرض الإصلاح الاقتصادي حكما في مقدمة خطط الإنقاذ اللبنانية التي لم يعد ممكنا اختصارها بانتخاب رئيس او بتعديل ما للدستور وهو يفرض استبعاد النهج الحريري عن الحكم لأنه عنوان كارثة مقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى