مقالات مختارة

تطورات الشمال السوري..هل حسبها فرنجية جيدًا؟ د. ليلى نقولا

 

فجأة ساد التوتر أطراف قوى 8 آذار، بعدما استطاع الرئيس سعد الحريري أن يسدد ضربة “معلم” في مرمى التحالف الذي وُلد في 8 آذار 2005، خلال مظاهرة “شكرًا سوريا” التي أطلقت قبيل انسحاب الجيش السوري من لبنان .

على عكس قوى 14 آذار، التي خانت بعضها، وتآمرت على بعضها، وسارت في أحلاف لعزل بعض مكوناتها، استمر تحالف 8 آذار منذ عام 2005 صلبًا ومتماسكًا، الى أن سدد له سعد الحريري ضربة قاضية من خلال تلويحه بترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية اللبنانية، ولو أنه لم يرشحه رسميًا لغاية الآن.

وبغض النظر عن المبررات السياسية وأرقام الخطط، والحديث عن الأحجام والكلام القاسي بحق كل من يرفض ترشيحه أو بحق كل من يتجرأ على التلميح بأن الترشيح في غير مكانه، فإن زعيم تيار المردة يبدو كمن يتمسك بسفينة غارقة؛ لمحاولة إنقاذها أو لإعتقاده بأن معجزة ستحصل وتعود السفينة الى الإبحار بكامل قوتها في محيط تضربه الأنواء والأعاصير، وفي كلا الحالتين، يبدو زعيم تيار المردة لم يحسبها جيدًا في تمسكه “بالصداقة التاريخية” مع آل عبد العزيز بن سعود، وفي رمي “ورقة التفاهم” المعقودة بينه وبين سعد الحريري في وجه حلفائه.

لا شكّ أن سفينة السعودية التي تحاول أن تفرض فرنجية رئيسًا للبنان مقابل ورقة تفاهمه مع الحريري، تبدو في أسوأ أوضاعها وأحرجها، منذ عقود، أو على الأقل منذ أحداث 11 أيلول 2001، حين ساد كلام في الاوساط السياسية والإكاديمية الأميركية عن ضرورة تحميل السعودية “مسؤولية ” أحداث 11 أيلول بسبب مناهجها التي أثبتت أنها مصدر الفكر الارهابي، ولتمويلها المدارس الراعية للإرهاب.

فماذا في السفينة السعودية التي يحاول فرنجية القفز اليها؟

1- تشهد العلاقات السعودية – الأميركية توترًا متزايدًا، بسبب ما تقول المملكة أنه تراجع أميركي في الموضوع السوري وتخليها عن فكرة الاطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لصالح تفاهمها مع الروس على الحل السياسي.

2- الأزمة الاقتصادية الهائلة التي تعيشها السعودية، ويذكر أن تقريرًا نشر في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، مؤخراً، أشار إلى أنَّ التكلفة العالية للسياسة الخارجيّة وكلفة الحروب السعودية على اليمن وسوريا، إلى جانب تراجع أسعار النفط، تجبر السعودية على سحب 12 إلى 14 مليار دولار شهرياً من صندوقها السيادي، ما سيؤدي، في نهاية المطاف، إلى خسارتها احتياطاتها النقديّة في غضون ثلاث سنوات.

3- إفلاس سياسي للمعارضة السورية المدعومة سعوديًا يضاف الى هزائم عسكرية بالجملة، فها هو “الائتلاف” يخسر حصرية تمثيل المعارضة السورية، بعد أن قام دي ميستورا بدعوة أطراف عدة من المعارضة السورية للمشاركة في جنيف 3، كوفد المعارضين العلمانيين، ووفد المجتمع المدني وممثلي المرأة. علمًا أن المراوغة وتهديد المعارضين بالانسحاب، لم تستطع تغطية أن تصريحات وزير الخارجية السعود عادل الجبير بضرورة الاتفاق على رحيل الأسد قبل أي مفاوضات، قد طواها النسيان وأصبحت مثارًا للتندر.

هذا ناهيك عن غض النظر الأميركي – إن لم نقل مباركة- التدخل العسكري الروسي الذي أطاح بكل من زهران علوش وجماعته، ويطيح الآن بكل تلاوين المعارضة التي سماها الغرب يوم ما “معتدلة”، ويبدو أنه سيحقق بالنار ما وعد به كيري يومًا من إغلاق للحدود التركية السورية لمنع تمويل الارهاب ومدّه بالسلاح والرجال والعتاد.

4- فكّ الحصار عن نبل والزهراء يعني بما يعنيه أن مشروع الفرز المذهبي وتقسيم سوريا على أساس طائفي قد طوته التطورات، وأن من حاول اقتطاع جزء من سوريا تحت عناوين “منطقة آمنة” أو منطقة عازلة، أو على الأقل السيطرة على أجزاء من سوريا لإقامة دويلة طائفية سنية بين العراق والشام، قد تراجع لصالح سوريا العلمانية التي نصّ عليها إعلان فيينا، وهذا يعدّ ضربة قوية لكل من تركيا والسعودية معًا.

في المحصلة، إن تمسك فرنجية بـ “حلفه التاريخي” المستجد مع السعودية، بالرغم من العواقب التي ينتجها هذا التفاهم المستحدث على تحالفه السابق مع مكونات 8 آذار والتيار الوطني الحر، وبالرغم من الحرب المفتوحة بين السعودية والمقاومة في لبنان، يشي بأن الزعيم الزغرتاوي قد يكون قد أخطأ أما في الحساب، أو في الجغرافيا والتاريخ، أو التربية الوطنية أو جميعها معًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى