“معارضة الرياض” تشعر بهزيمة ودي ميستورا يعلّق المفاوضات: محمد بلوط
“جنيف 3” انتهى قبل أن يبدأ، رغم تدخل وزير الخارجية الأميركي جون كيري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإقناع رياض حجاب بالبقاء في جنيف في اتصالات هاتفية بينهما، لكن حجج الأميركي لم تصمد أمام محور سعودي – تركي أصيب بالذهول بعد استعادة الجيش السوري لنبل والزهراء، وقرر العودة بسرعة إلى خيار عسكري يائس، والرد على الأرض. كما قرر المحور عدم التضحية بالهيئة التفاوضية، والذهاب إلى مفاوضات بعد ساعات من هزيمة غير مسبوقة واجتياز “عاصفة السوخوي” الروسية، والجيش السوري، والتحالف الإيراني والمقاومة معاً، ما كان حتى الأمس أحد أبرز الخطوط الإقليمية الحمراء، التي كرّسها تدخل المجموعات التابعة للمحور التركي – القطري – السعودي منذ أعوام، وضرب التوازنات التي أرساها الغزو التركي لحلب في 19 تموز العام 2012.
ورفض حجاب اقتراحاً من كيري بتعليق المؤتمر حتى 14 شباط لا أكثر، ريثما يتم إقناع الروس في ميونيخ في 11 شباط خلال اجتماع مجموعة دعم سوريا، بالضغط على الحكومة السورية، لتقديم بعض التنازلات في الملف الإنساني.
لكن رياض حجاب، المزوّد بتعليمات سعودية، رفض تقديم أي تعهدات، وقال إنه لن يعود إلى جنيف. إذ إن خوض أي مفاوضات بعد نبل والزهراء سيعدّ استسلاماً سياسياً أمام الجيش السوري، وتخلياً عن المجموعات التي لا تزال تقاتل في الشمال السوري.
ويقول مصدر في المعارضة إن الأتراك أقنعوا السعوديين بعدم الذهاب وراء الأميركيين، وإن خطوط الإمداد في الشمال مع المجموعات المسلحة ستؤدي قريباً إلى إحكام الطوق على حلب نفسها، وان مراجعة سياسية وعسكرية باتت تفرض نفسها. وكان الصقور في «الائتلاف»، الذين رفضوا على الدوام أي مفاوضات، يراهنون أصلاً على إسقاط جنيف، وتجديد قنوات ال تمويل والتسليح، التي تراجع دفقها، تحت ضغط الهزائم، والتفاهمات الروسية ـ الأميركية.
مجموعة الرياض أسقطت جنيف كما تعهدت عندما توالى ناطقو الأجنحة الأكثر تطرفاً، على اعتبار الأربعاء أو الخميس موعداً أخيراً لإطفاء أنواره. وتحت رذاذ مطر جليدي، أمام فندق الرئيس ويلسون، رُفعت مظلات سوداء للمبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لكي ينعى ببضع كلمات «جنيف 3» لجمع صحافي انتظر مبتلاً إعلان نهاية تعرجات جنيف، واعداً إياهم بجنيف الرابع في 25 شباط، رامياً الكرة في ملعب من سيجتمع في ميونيخ من مجموعة دعم سوريا، في 11 الشهر الحالي، لإنقاذ مهمته أولاً، التي لم يحقق فيها أي نجاح يذكر، من دون أن يفكر أو يضطر إلى الاستقالة. وطلب دي ميستورا من المجموعة، التي تقودها تفاهمات روسية – أميركية، أن تنجز ما عجز عنه، وإزالة العقبات التي لم تستطع كل التنازلات التي قدمها إقناع وفد الرياض بالبقاء في جنيف. وذهب رياض حجاب، رئيس «الهيئة التفاوضية العليا»، أبعد من دي ميستورا، ليطيح حتى القادم من جنيف، بالقول، في مؤتمر صحافي ليلاً، إن «وفده سيغادر جنيف، ولن يعود من دون تحقيق شروطه بتنفيذ البندين 12 و13 من القرار 2254»، ووقف قصف المدنيين ورفع الحصار عن 18 مدينة وبلدة في سوريا.
وقبل أن يخرج دي ميستورا إلى الإعلام، كان المعارض كمال اللبواني، الذي انتظر أمام الفندق، يتنبأ لمن شاء من محادثيه بانسحاب الهيئة التفاوضية من المؤتمر «لان الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السعودي، قد نصح الهيئة بقضاء بضعة أيام في جنيف، ثم العودة إلى الرياض».
“جنيف 3” الذي لم يقف على ساقيه جولة واحدة، سقط بالضربة السعودية – التركية القاضية، على ما ذهب إليه رئيس الوفد الحكومي السوري بشار الجعفري بأوامر «مشغلي مجموعة الرياض». ويصر وفد الرياض على تحويل البندين 12 و13 إلى مدخل إجباري لقاعة المفاوضات، مع علمه المسبق أن تقييدها بشروط مسبقة، لن يجعل الحكومة السورية، في لحظة تقدم قواتها المستمر على الأرض في حلب واللاذقية ودرعا، تميل لتقديم أي تنازلات، وتخفيف الضغوط على أعدائها، أو لجم اندفاعة الجيش السوري في الشمال الذي يتمتع بإسناد جوي روسي تجاوز أكثر من 600 غارة خلال يومين، من أجل تسهيل مهمة رياض حجاب ووفده.
وبجدية أكثر، لعبت الكيلومترات الثلاثة الأخيرة التي انتزعها الجيش السوري أمس، من «جبهة النصرة»، لفك الحصار عن نبل والزهراء وإقفال الطوق حول حلب، وتحقيق أكبر انتصاراته في الحرب من أجل حلب منذ العام 2012، دوراً كبيراً في انقلاب سيناريو كان ينبغي أن يكون أكثر تفاؤلاً، مما قدمه اللاعبون في الاجتماع الأخير مع دي ميستورا. إذ كانت اتصالات أمس الأول من الرياض مع أعضاء الهيئة التفاوضية قد حملت تعليمات أولية بضبط المتطرفين، وضربت مواعيد لمؤتمر صحافي في الرابعة من بعد الظهر، يليه لقاء مسائي في قصر الأمم المتحدة مع دي ميستورا.
وخلال الليل كانت المقاتلات الروسية، والقصف المدفعي السوري، قد أنهيا آخر محاولة لإرسال أرتال مؤازرة من تركيا، دمرت في مسقان وعندان، وعلى تخوم معرسة الجب. ولم تستطع قوة من 750 مقاتلاً من «جبهة النصرة»، تحركت من حلب، لمؤازرة المدافعين عن ماير ومعرسة الجب من احتواء هجوم آلاف الجنود السوريين، أو وقف الهجوم الذي شنته اللجان الشعبية من قلب نبل والزهراء لملاقاة وحدات الجيش السوري في معرسة الجب عبر ماير.
ويقول مصدر معارض إن أعضاء الهيئة تلقوا استغاثات صوتية مسجلة، من القيادات العسكرية في حلب قالت إن «العدو يتبع سياسة الأرض المحروقة، وسيفك الحصار عن نبل والزهراء، وسيقطع طرق الإمداد حتى الحدود التركية». وكانت أصداء تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تتخلل أيضا أصوات العسكريين، وقد توعد فيها بمواصلة العملية العسكرية حتى القضاء على الإرهاب، «داعش» و «جبهة النصرة». وقال مصدر معارض إن هذه التصريحات أنهت الوعود الأميركية بالحصول على أي تنازلات من روسيا، وأثارت مخاوف من أن وقف إطلاق النار، الذي عُرض على المعارضة، سيتحول إلى استسلام من دون شروط.
وعندما وصل دي ميستورا مساءً، كان يحمل معه الطلقة الأخيرة لما تبقى من تفاؤل، فقال لمحاوريه إنه لن يستطيع تنفيذ أي من طلباتهم أو تعهداته لهم في الملف الإنساني، وان عليهم العودة إلى الدول الكبرى، فسمع جواباً جاهزاً بأنهم سيعلنون انسحابهم نهائياً من العملية السياسية، ويغادرون جنيف، ولن يعودوا إليها.
دي ميستورا حصل على تنازل أخير من مجموعة الرياض بأن تترك له أن يقول إن جنيف قد علق حتى 25 شباط لإنقاذ مهمته من الفشل، وتجديد الأمل في ما تبقى من التفاهم الروسي – الأميركي.
وحمّلت واشنطن وباريس السلطات الروسية مسؤولية توقف مفاوضات جنيف. وفي بيان اتسم بلهجة عنيفة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي إن الغارات التي تشنها الطائرات الروسية في مدينة حلب ومحيطها «تستهدف بشكل شبه حصري» المجموعات المسلحة المعارضة ومدنيين بدلا من أن تستهدف «داعش، العدو المشترك للمجتمع الدولي بأسره». وأضاف «من الصعوبة بمكان أن نتخيل كيف لغارات ضد أهداف مدنية أن تساهم بأي شكل كان في عملية السلام التي نحاول العمل عليها حاليا».
وربط كيربي بين الغارات وقرار دي ميستورا تعليق المفاوضات. وقال ان «السبب الذي دفع دي ميستورا إلى تعليق المفاوضات في جنيف هو في جزء منه صعوبة التوصل إلى حل سياسي في الوقت الذي يتم فيه باستمرار إعاقة وصول المساعدات الإنسانية وإزهاق أرواح بشرية».
وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إن «فرنسا تدين الهجوم الوحشي الذي يشنه النظام السوري بدعم من روسيا لتطويق وخنق حلب وسكانها البالغ عددهم مئات الآلاف». وأضاف «أعبر عن دعم فرنسا الكامل لقرار المبعوث الدولي في هذا السياق تعليق المفاوضات، التي يبدو واضحا أن لا نظام (الرئيس) بشار الأسد ولا داعموه يريدون المساهمة فيها بحسن نية، ناسفين بالتالي جهود السلام».
(السفير)