واشنطن تدعم إسرائيل ضد أنفاق غزة.. مالياً: حلمي موسى
من بين كل القضايا الساخنة التي تعيشها إسرائيل، يبدو أن مسألة الأنفاق من قطاع غزة هي الأشد سخونة في الوقت الراهن. فلا يمر يوم تقريباً من دون أن تنشر تقارير حول المسألة، مدعومة حيناً بتصريحات مسؤولين سياسيين أو عسكريين وتهديداتهم، ومقتصرة أحياناً على تحليلات لمعلقين وخبراء .
ومن الواضح أن تجربة الحرب الإسرائيلية على غزة، ودور الأنفاق فيها، تمثل العامل الأبرز الكامن خلف السجال الدائر داخل الحكومة وفي الجيش وبين الخبراء.
ويبدو أن الولايات المتحدة دخلت هي الأخرى عبر أموالها على خط الأنفاق، حيث تظهر تقارير استعدادها لضخ ملايين الدولارات في مساعي إسرائيل لتطوير حلول تكنولوجية لمواجهة الأنفاق ودرء خطرها.
وبحسب ما نشر في مواقع عدة نقلاً عن مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى، فإن أميركا ستستثمر حوالي 120 مليون دولار في منظومة إسرائيلية، يجري تطويرها، لتشخيص واكتشاف الأنفاق. ويعتقد أن هذا الاستثمار سيتم على دفعات عدة، من أجل تسهيل تطوير هذه المنظومة، حيث يفترض أن تدفع إسرائيل مبلغاً مشابهاً في مساعي التطوير.
وقد أكد هذه المعلومات، في حديث مع إذاعة الجيش، رئيس الطاقم السياسي الأمني في وزارة الدفاع الجنرال عاموس جلعاد. وقال جلعاد إن الولايات المتحدة تشارك بمبلغ يزيد عن 100 مليون دولار في مشروع تكنولوجي إسرائيلي، يرمي لاكتشاف الأنفاق من قطاع غزة.
ويدور الحديث عن منظومة تم نشرها جزئياً قرب حدود قطاع غزة، وبهدف اكتشاف أنفاق تحفر على عمق عشرات الأمتار عن سطح الأرض. وحتى الآن ليست هناك دلائل على نجاعة هذه المنظومة، التي لم تنشر بعد بكل مكوّناتها لاعتبارات اقتصادية. ولذلك فإن الإعلان عن الدعم الأميركي لهذا المشروع يسرّع إمكانية تطوير المنظومة، ونشرها على طول الحدود مع القطاع.
وقد نشر المعلق العسكري لصحيفة «يديعوت احرونوت» أليكس فيشمان أن نائب وزير الدفاع الأميركي زار إسرائيل قبل بضعة أسابيع، ورأى المشروع الذي كان قد بدأ ينشر قرب قطاع غزة، وأخذ انطباعاً وصادق على دفعة المال للسنة الأولى، بحجم 40 مليون دولار. وكتب أن الولايات المتحدة تحتاج إلى منظومة مشابهة على حدودها مع المكسيك. أما الآن، وعندما يكون الأميركيون في الصورة، فهناك احتمال بتسريع المشروع، فالمساهمة المالية والتكنولوجية الأميركية ستقصر الإجراءات، وسيتم تطوير المنظومة، ولاحقاً ستنشر بسرعة أكبر.
ومعلوم أن القلق يسود أوساط المستوطنين في غلاف غزة، وأن تبادلاً للاتهامات بالمسؤولية عن عدم حل هذه المشكلة يدور بين الحكومة والمعارضة. وقام ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي مؤخراً بحملة لدى المستوطنين في غلاف غزة بهدف تهدئة مخاوفهم، وذلك بالاجتماع إلى ممثليهم وإبلاغهم بما يقوم به الجيش. كما أن حفارات وأجهزة تنقيب نشرت على طول القطاع بهدف إقناع الإسرائيليين بأن الجيش يبذل كل ما بوسعه للتحقق من عدم وجود أنفاق تعبر الحدود. وليس مستبعداً أن الإعلان عن التمويل الأميركي لتطوير منظومة اكتشاف الأنفاق يأتي في سياق محاولات تهدئة مخاوف الإسرائيليين.
غير أنه إذا كان مفرحاً للإسرائيليين نبأ استعداد أميركا لتمويل مشروع تكنولوجي إسرائيلي لاكتشاف الأنفاق، بقيمة 120 مليون دولار، على أن تدفع إسرائيل مبلغاً مماثلاً، فإن التقديرات حول تكلفة نشر هذه المنظومة على حدود القطاع لا تعتبر بشرى. فالجيش يعتقد أن التكلفة تزيد عن 700 مليون دولار، وهي غير متوفرة في ميزانية الجيش للسنوات المقبلة.
وكتب فيشمان، في «يديعوت»، أن «إسرائيل تسابق الزمن لإنهاء مشروع العائق تحت الأرضي وجعله في وضع كامل، وحماس هي الأخرى في سباق مع الزمن. من ناحيتها، أنهت منذ الآن الاستعدادات لخطوة عسكرية حيال إسرائيل، وهي تحطم الآن الرأس بالنسبة للتوقيت. وهذا التوقيت سيتأثر جداً بوتيرة تقدم المشروع الإسرائيلي». وفي نظره فإن «حماس تعد هجوماً مفاجئاً إذا ما اعتقدت للحظة أن إسرائيل تقترب من حل يجعل أنفاقها مكشوفة، هذا سيؤثر على قرارها تقديم موعد الهجوم. والى هنا تدخل البشرى السيئة: قطاران يتحركان بسرعة، الواحد مقابل الآخر، والانفجار قد يأتي في غضون أشهر قليلة. في الجيش الإسرائيلي يستعدون، منذ الآن، لهذا الاحتمال».
ولكن المعلق العسكري لـ «هآرتس» عاموس هارئيل كتب أن خلاصة المداولات الأمنية الإسرائيلية مؤخراً هي أنه لا نية لمهاجمة «حماس» الآن في غزة بسبب الأنفاق، ولا ترى في تصريحات قادة الحركة حول الأنفاق الهجومية مبرراً لشن عملية عسكرية جديدة ضد القطاع.
ومعروف أن المعارضة ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشي يعلون أدلوا مؤخراً بتصريحات تتعلق بالأنفاق في غزة، حيث طالبت المعارضة بالهجوم الوقائي، وهدد نتنياهو بأن الحرب المقبلة ستكون أشد من سابقاتها، وكذلك فعل وزير الدفاع. وقد شدد يعلون على أن الردع في مواجهة «حماس» قائم، وان هذه الحركة لم تطلق أي رصاصة من غزة منذ الحرب، وأن الإطلاقات تأتي من منظمات صغيرة.
وكان لافتاً قول المعلق العسكري لـ«هآرتس» بأن إسرائيل قلقة من احتمال أن تقود التهديدات والتصريحات الإسرائيلية إلى اعتقاد لدى «حماس» بأن إسرائيل تستعد لمهاجمتها، ما قد يؤدي إلى أن تبادر هي مستغلة عنصر المفاجأة. وكتب أنه لهذا الغرض طلب قادة المؤسسة الأمنية من أعضاء الكنيست والمسؤولين إبداء المسؤولية والامتناع عن التصريحات التصعيدية التي قد تظهر لـ «حماس» أن إسرائيل تبحث عن مبرر للهجوم عليها.
ووجدت المؤسسة الأمنية دعماً لها في موقفها من رئيس شعبة الاستخبارات الأسبق الجنرال عاموس يادلين، الذي كان يترأس مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب. ونشر يادلين مقالة أمس في «يديعوت» تحت عنوان «هجوم وقائي أم انتظار يقظ؟»، أشار فيها إلى أن الحرب الأخيرة أثبتت لـ «حماس» أن الأداة الإستراتيجية الوحيدة لديها التي حققت إنجازاً كانت في مجال الأنفاق الهجومية. وأوضح أنه رغم تصاعد البحث في خطر الأنفاق فليس في ذلك أي جديد، ولهذا فإن المسألة المركزية هي تحديد الخط الأحمر الذي ينبغي العمل إذا تم تجاوزه.
ولم تنجح جولات القتال المتكررة في غزة في الوصول إلى الهدف الاستراتيجي لتجريد القطاع من السلاح. وعليه فليس مفاجئا أن تكون «حماس» تبذل جهوداً مركزية في حفر الأنفاق. فالشكل الذي انتهت به حملة «الجرف الصامد» أثبت للحركة أن الأداة الإستراتيجية الوحيدة التي حظيت بها بإنجاز ذي مغزى كانت في مجال الأنفاق الهجومية. كل الجهود العسكرية الأخرى لها فشلت فشلاً ذريعاً. وفضلاً عن ذلك، فإن عدم الرغبة المتبادلة للانجرار إلى جولة أخرى تمنع معالجة إسرائيل لتعاظم قوة «حماس»، وتتميز بسلبية قسرية تنشأ عن صعوبة فرض عدم استخدام المؤن التي تدخل إلى غزة.
وكتب أن الخط الأحمر في نظره هو حفر أنفاق تجتاز الحدود، وهو ما كان يفرض على إسرائيل شن ضربة وقائية. وأشار إلى أن إسرائيل خبيرة تاريخياً بهذا النوع من الضربات، ولكن الواقع صار أشد تعقيداً، فالمخاطر على إسرائيل كبيرة، مثلاً من «حزب الله»، ولكن لم يتخذ قرار بالضربة الوقائية ضده. وتساءل: هل المنطق تجاه «حماس» مختلف؟ وأوضح أن العامل الحاسم على هذا الصعيد هو توافر معلومات استخبارية نوعية تسهل التعامل وفق خيارات: الأول، المعالجة الموضعية للأنفاق التي تجتاز الحدود، أي بعملية ضيقة، والثاني معالجة كل الأنفاق على مدى 3 الى 4 كيلومترات، وهذا يقود إلى احتمال عال للتصعيد. والثالث الترقب وانتظار المواجهة. ويخلص إلى أن المواجهة مع «حماس» آتية، آجلاً أم عاجلاً، بسبب الإخفاق في وضع إستراتيجية سليمة. وأكد أن خروج إسرائيل من حرب «الجرف الصامد» بـ «تعادل استراتيجي غير متماثل» لم يضمن أي تغيير في الواقع. وحذر من أن أي حرب جديدة مع غزة قد تزيد الوضع في الضفة الغربية اشتعالاً، وقد تفجر جبهات أخرى.
(السفير)