التصميم الأميركي على جنيف
غالب قنديل
بات مكشوفا ان الولايات المتحدة جلبت واجهة الرياض إلى جنيف على طريقة السوق القضائي للمطلوبين بعدما صدرت عنهم مواقف متعنتة وأغرقوا النقاش مع المشغلين الأميركيين بسيل من الشروط بينما يعرف القاصي والداني أنهم كناية عن دمى يعاد صفها في مواسم التفاوض فتختفي أسماء وتتقدم أسماء وتستحضر وجوه جديدة بحيث لانرى وفدا يشبه سابقه ويبدو الدكتور بشار الجعفري رئيس وفد الحكومة السورية محقا في تساؤلاته من جنيف عن تركيبة وفد الرياض المستحضر بالقرار الأميركي.
أولا تعكس مجموعة الرياض المواقف السعودية والتركية في ظل التواري القطري الخبيث كالعادة فهذه الواجهات التابعة لا تمثل أي حيز فعلي من استقلال الموقف او القرار ولذلك ينبغي البحث عن دوافع الرعاة والممولين فإذا كانت تركيا تريد مع السعودية زج جماعات إرهابية تكفيرية وفصائل الأخوان والقاعدة في تركيبة حكومة ما بعد الحوار السوري وهي تضع الفيتو على أي مشاركة كردية كما بات معروفا فقد كشفت بعض منشورات صحف المملكة وجود اجتهاد في دوائر القرار السعودية هو الصدى لجناح فاعل في الإدارة الأميركية وفي وزارة الخارجية التي يرأسها السيد جون كيري وهذا الجناح يستأخر البحث في مشاريع التسويات السياسية الخاصة بكل من سورية واليمن لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية بدافع الرهان على انتخاب رئيس جمهوري ترافقه بطانة من المحافظين الجدد وبالتالي فهؤلاء يراهنون على اندفاعة هجومية جديدة في حروب العدوان الاستعماري التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة والعالم وبالطبع من المتداول ان الأسرة السعودية تسهم في تمويل مجموعات الضغط المتطرفة في واشنطن وتجمعها علاقة تحالف وتنسيق وثيقة مع اللوبي الصهيوني ( الإيباك ) وهي شراكة تعززت بقوة وأكثر من السابق في معركة دفع إدارة اوباما إلى غزو سورية عسكريا وفي السعي إلى عرقلة مفاوضات الاتفاق النووي ومسار رفع العقوبات عن إيران.
ثانيا تشير وقائع عديدة إلى ان الإدارة الأميركية تخشى فقدان ما تبقى من وجود عسكري لعملائها على الأرض في الوقت الفاصل عن الانتخابات الرئاسية الأميركية التي لن تبدل جوهريا في هوامش الحركة المتاحة امام أي رئيس اميركي مقبل اكان جمهوريا ام ديمقراطيا فالمعادلة السورية باتت محكومة باستعصاء في التوازنات الكلية لصالح الدولة الوطنية السورية والانخراط الروسي المباشر إلى جانب الجيش العربي السوري بات يشكل بعدا حاسما في التوازن بينما استهلكت سائر وسائل التأثير على ميزان القوى وباتت الجماعات الإرهابية في وضع لا تحسد عليه ينخرها التآكل ويحاصرها الرفض الشعبي ومن الواضح ان القيادة السورية تجيد توظيف دعم حلفائها ( روسيا والصين وإيران وحزب الله ) في خطة شاملة لتحرير الأرض السورية ولكسر ادوات العدوان الاستعماري بينما تستثمر قوة حليفها الاستراتيجي وهو الزمن.
في الحسابات الأميركية يجري التكيف مع المبادرة الروسية العسكرية والسياسية ومع نتائج النهوض الإيراني المكرس بالاتفاق النووي وسقوط الحصار وهذا ما يفسر الخضوع لمسلمات موسكو ودمشق وطهران في مباحثات فيينا وهي مبنية أصلا على اجندة الحل السياسي التي طرحها الرئيس بشار الأسد في مطلع العام 2013 ومن المرجح ان الولايات المتحدة تبطن خوض معركتها في سياق العملية السياسية المتفاهم عليها وهي تحمل معها ضمنا مجموعة من الشروط والتدخلات المكرسة لخدمة المصالح الأميركية الصهيونية مباشرة وأبرزها السعي من خلال مفاوضي واجهات الدمى باسم المعارضة لتفخيخ مستقبل سورية السياسي برزمة من العملاء والسعي إلى التأثير في حصيلة الحوار السوري لإضعاف هوية الدولة الوطنية العلمانية وتكوينها سواء من خلال دعوات الفدرالية او التوزيع الطائفي للمناصب العليا في الدولة او عبر محاولات النيل من هوية الدولة الوطنية المقاومة وعقيدة الجيش العربي السوري القتالية العربية .
ثالثا خلاصة تقدير الموقف الأميركي ان ميزان القوى العسكري يتغير بسرعة وتفويت فرصة التفاوض الممكن تلغي هوامش التأثير المحتمل في مستقبل سورية السياسي وهي الدولة المحورية في المنطقة التي تخشى إسرائيل والولايات المتحدة معا نهوضها من جديد وبالتالي لن تسد واشنطن بابا ولو محتملا لعرقلة ذلك دون استثماره ولأن قلب التوازن العسكري بات شديد الصعوية فلابأس بالمسار السياسي لتحقيق الغاية المنشودة وعبر الاستعمال المتقن لدمى التفاوض السياسي المسماة بالمعارضة وحيث تمسك واشنطن بالمشغلين الإقليميين الذين يدفعون المال ويقدمون الرعاية منذ سنوات لتلك الواجهات التي لا تمون على شيء ولاصلة فعلية لها بالميدان الذي يديره المشغلون بخيوط منفصلة عن خيوط تحريك دمى السياسة البائسة.
جلبت واشنطن دمى المعارضة التابعة واستبعدت الرموز والواجهات المستقلة عن منظومة العمالة والارتباط وصممت مع السعودية وتركيا وقطر على تمثيل خفي لجماعة الأخوان ومثيلات القاعدة من الفصائل السورية التي تشكل رديفا تكوينيا لداعش وجبهة النصرة باعتراف الخبراء الأميركيين ويشكل استبعاد التمثيل الكردي من المفاوضات تعبيرا عن الثقل التركي في القرار الأميركي وهو يشكل صفعة لأوهام بعض القيادات الكردية التي ادارت ظهرها لفرص الشراكة مع الدولة الوطنية والجيش العربي السوري في مقاتلة الإرهاب.
لا يتراجع المخططون الأميركيون عن اهدافهم الاستعمارية ولكنهم يتكيفون ويختبرون وسائل متعددة في خدمتها وهم يجدون اليوم ان القدرة على تغيير المعادلات العسكرية تشبه الاستحالة بينما العملية السياسية توفر فرصا أفضل دون ان يعني ذلك التخلي عن التدخلات العسكرية او عن منظومة الحرب بالوكالة التي يراد بها مواصلة الاستنزاف وعرقلة النهوض السوري بأي ثمن خدمة للكيان الصهيوني .