مراهق سبعيني وضرة نازحة
فاطمة طفيلي
مضى على زواجهما أكثر من ثلاثين عاما قضتها معه بحلوها ومرّها بعدما ارتضت ان تترك مقاعد الدراسة قانعة مختارة بأنهما سيرسمان معا طريقهما المستقبلي المظلل بالحب، بالرغم من أنها كانت متفوقة في دراستها، ومدرّسوها يتوقعون لها مستقبلا واعدا إن هي استمرت على ذات المنوال، ولا سيما أنها من بين بنات جيلها واحدة من قلة قليلة حظيت بفرصة التعليم، وتوفرت لها كل عناصر الدعم في أسرة جميع أفرادها من الجنس الخشن، وحيدة عائلتها صبية مميزة بجمالها، الذي وكما يقال يدير الرؤوس ويسلب القلوب، متوقدة الذهن مقبلة على الحياة بذكائها الحاد وحضورها المبهر.
كبرت العائلة، تزوج الأولاد صبيانا وبنات، وامتلأ البيت بالحفيدات والأحفاد، وهي ما تزال تضج حياة وحضورا، ولا تقبل أن تتخلى ولو عن جزء صغير من مسؤولياتها، حاضرة في كل ما يعني العائلة حتى في أدق تفاصيلها، ربة بيت من الطراز الأول، أم وصديقة لبناتها وأبنائها يفاخرون بها رفيقة درب ومرشدة ناصحة حيث يلزم، طفلة مع الاطفال وكبيرة بكل ما للكلمة من معنى مع الكبار، مزارعة حريصة على أن يكون محيطها ربيعا دائم الخضرة متعدد الألوان عابق الشذى، وناشطة اجتماعية لا تفوتها مناسبة فتؤازر في أوقات الحزن وتبارك في المناسبات السعيدة.
أناقة مظهرها تجمع بين الرصانة والعصرنة فلا تؤذي التزاما دينيا تترجمه إيمانا عميقا بالإنسان وقيمه وبما يؤديه من صالح الأعمال، والعائلة هي الأساس، فهي اعتادت أن تكون الكل في واحد صامدة مكافحة لا تتعب ولا تكل، بعدما تمرّست في الجمع بين دوري الأم والأب في غياب الزوج المتواتر للعمل في بلاد الاغتراب.
أوصلت العائلة بكل أفرادها الى بر الأمان وسار كل منهم في طريقه يرسم خطواته المستقبلية في بناء العائلة ومستقبلها.
اعتقدت واهمة، أنه آن أوان الراحة والتمتّع بما انجزت وشريك عمرها، يبدآن من جديد رحلة عمر ما يزال يعد بالكثير، وبلقاء دائم لا تقطعه ضرورات الكدّ والعمل، كيف لا وفي العائلة من بات أهلا للمتابعة في مؤسسة كان لها الفضل الأكبر في إرساء دعائمها وبنائها، لكنها استفاقت وبالصدفة على حقيقة مرة لم تكن ورادة في حساباتها ولا في خلد كل من عرفها وعايش مسيرتها الطويلة، وقد تخطى شريكها السبعين، أنها في وادٍ، وهو في وادٍ مختلف تماما يرسم ويخطط لنهايات عنوانها قلة الوفاء لرفيقة الدرب وشريكة الحياة.
السبعيني لم تضره سنواته، ولم يردعه الكبر ولا مكانته كزوج مرفّه مدلل، وكرب لأسرة ناجحة من الانسياق خلف أهوائه، ليعود مراهقا تحركه غرائزه وتحكمه نزوات الجهلاء الطائشين مسلوبي الإرادة والعقل، مستندا الى ما جمعاه معا من مال ساهمت في توفيره للقادم من أيام الكبر، ليتزوج ثانية، مستغلا سفرها لتفقد الأبناء، من فتاة هي بعمر صغيرة عائلته، بالرغم من خذلان الجسد والقدرات المطلوبة في مثل هذه الحال، وليقترح على زوجته وشريكة دربه، بعد انكشاف أمره، وبوقاحة غير مسبوقة ضم الوافدة الجديدة الى العائلة، يستكمل معها مسيرة سي السيد، التي ما تزال قابعة في رؤوس الكثير من الذكور، ولم تقوَ عليها السنون ولا قلة الحيلة، ولهم في الفياغرا وأقرانه من منتجات العصر المعين إن كان ما يزال لديهم من بقية باقية.
والأدهى من كل ما سلف أن الزوجة الجديدة ضحية من النازحات السوريات اللواتي يواجهن مصائرهن وظروفا قاسية لا يقوين على مواجهتها في ظل تواطيء شامل تتوزع حلقاته بين أهل يرتضون بيع بناتهم القاصرات بأبخس الأثمان بذريعة تأمين لقمة العيش، ورجال دين يتحولون الى شهود زور في زيجات غير متكافئة يرفضها المنطق والعقل وتأباها الإنسانية، ولهم في مجال تعدد الزوجات واستغلال واقع التعتير والفقر صولات وجولات، ومجتمع غير مكترث لا يقيم وزنا لأبسط القيم الإنسانية، فيما الكثير من الذئاب البشرية تتربص لنهش لحوم اليافعات دون رحمة أو وازع من ضمير، وبلا مسوغ أو سبب حقيقي سوى ما تختزنه العقول المريضة من مبررات، تبرز فيها المادة أداة الاستعباد الجاهزة لشراء صاحبات الإرادات المسلوبة، وكم من أخبار تابعناها عن صفقات بيع مماثلة أبرمت بما لا يتخطى المئة دولار، وأحيانا بنصف المبلغ المذكور أو ما يعادله من تقديمات ومساعدات عينية.
ليست قصة من نسج الخيال، بل واحدة من مئات الحكايا السوداء التي تدور سرا وعلانية في كل مناطق النزوح، لا بل في الكثير من القرى والبلدات وفي مختلف المناطق، والكل غافل عما ستنتجه من كوارث إنسانية واجتماعية، والآتي أعظم.