انخفاض أسعار النفط وتأثيره على إيران حميدي العبدالله
عند بدء انخفاض أسعار النفط قبل عام تقريباً من الآن وضع كثيرون هذا الانخفاض في إطار المؤامرة التي دبّرتها الولايات المتحدة ونفذتها السعودية بهدف إلحاق الأذى بكلّ من إيران وروسيا، لا سيما أنّ الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا قد اندلع على خلفية انفجار الأزمة في أوكرانيا وتصاعد مواقف موسكو المعترضة على السياسة الأحادية للولايات المتحدة.
وصلت أسعار النفط الآن إلى أدنى مستوى لها وقد تهبط الأسعار أكثر، وبات واضحاً أنّ الضرر لم يعد محصوراً بروسيا وإيران، بل إنّ الدول الخليجية المنتجة للنفط، ولا سيما المملكة العربية السعودية لحقها ضرر مماثل للضرر الذي تسبّب به انخفاض أسعار النفط لإيران وروسيا.
بات السؤال المطروح الآن من يتحمل أكثر إيران أم المملكة العربية السعودية نتائج انخفاض أسعار النفط؟
من الواضح أنّ إيران أكثر قدرة على الاحتمال والتكيّف مع انخفاض أسعار النفط وذلك بسبب العوامل الآتية:
أولاً، إيران بعد رفع العقوبات يحق لها أن ترفع إنتاجها، وقد تحدّثت التقارير عن زيادة الإنتاج الإيراني بأكثر من 500 ألف برميل يومياً، وسيرتفع هذا الرقم في الأشهر القليلة المقبلة، ومما لا شك فيه أنّ عائدات هذه الزيادة في الإنتاج ستوقف الخسائر الناجمة عن انخفاض الأسعار لجهة مستوى إجمالي العائدات، ولكن المملكة العربية السعودية لا تستطيع زيادة إنتاجها للتعويض عن هبوط أسعار النفط، لأنها في الأساس رفعت إنتاجها إلى المستوى الأقصى في الحصص التي تحددها منظمة أوبك لكلّ دولة منتجة.
ثانياً، إيران بعد رفع العقبات ستحصل على أموالها المجمّدة في البنوك الغربية، وثمة رقمان يجري تداولهما، البعض يتحدّث عن 32 مليار دولار، والبعض الآخر يتحدث عن 100 مليار دولار، وبمعزل عن أيّ من الرقمين هو الصحيح فإنّ ذلك يضيف إلى خزانة الدولة واحتياطي إيران من العملات الأجنبية مبالغ كبيرة تساعد إيران على التكيّف مع هبوط أسعار النفط في حين لا تحصل الدول الأخرى المنتجة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية على أيّ شيء مماثل.
ثالثاً، العقوبات والحصار الذي فرض على إيران، وعمره عمر الجمهورية الإسلامية، فرض على الاقتصاد الإيراني التكيّف، وعدم الاعتماد على النفط وحده، ولهذا فإنّ الاقتصاد الإيراني لا يعتمد على النفط والغاز وحسب، كما هو حال دول كثيرة منها المملكة العربية السعودية، وبالتالي فإنّ انخفاض أسعار النفط لن يكون له تأثير كبير على الاقتصاد الإيراني وعلى موارد الخزينة، في حين أنّ دولاً أخرى مثل السعودية يشكل النفط مورداً أساسياً لتغذية الخزينة، وتفعيل أداء الاقتصاد.
رابعاً، إيران ما بعد رفع العقوبات ساحة أساسية لاستقبال الاستثمار الخارجي لتعويض ما فاتها في سنوات الحصار التي امتدّت إلى أكثر من ثلاثة عقود، وبديهي أن يؤدّي ذلك إلى ارتفاع معدّلات النموّ حتى بالمقارنة مع الدول التي لا تعتمد على النفط.
مجمل هذه العوامل تشير إلى أنّ إيران أقلّ دول العالم المنتجة للنفط تأثراً بهبوط أسعاره.
(البناء)