الولايات المتحدة ولحظة الحقيقة: ابراهام بن تسفي
في يوم الاثنين القادم، بعد أشهر من التحضيرات وعدد لا يحصى من الاستطلاعات والمناظرات التلفزيونية المتأججة، سينطلق أخيرا المرشحان في الحزبين في الولايات المتحدة إلى الساحة في ولاية إيوا في سباق طويل ومستنزف للانتخابات الداخلية. ورغم أن ايوا ونيوهامفشر ستتم فيهما الجولة الثانية من الانتخابات التمهيدية بتأخير ثمانية ايام وهما لا تمثلان كل المجتمع الأمريكي، إلا أنهما تحولتا على مر السنين إلى اختبارات قوة بالنسبة للمرشحين في الطريق إلى القمة. أو عدم الوصول اليها. ورغم حقيقة أن إيوا ونيوهامفشر بقيتا منفصلتين عن باقي المجتمع الأمريكي في كثير من المجالات، إلا أن نتيجة التصويت فيهما تستمر في كونها معيارا واضحا على قدرة القيادة بين الخصوم وعلى الرأي العام الأمريكي كله.
والدليل على ذلك هو الهزيمة التي تسبب بها السناتور الغير معروف، براك اوباما، لخصمه هيلاري كلينتون في إيوا، الامر الذي مهد الطريق لانتصار 2008 (رغم أن كلينتون فازت في نيوهامفشر). واذا قمنا بتسليط الضوء على المنافسة الحالية فلا شك أن المرشح الجمهوري دونالد ترامب يحظى بتفوق حزبي داخلي كبير مقارنة مع المكانة الداخلية الضعيفة للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. وبشكل أدق، في ولاية إيوا، المعركة بينه وبين خصمه الخطير السناتور تيد كروز، لم يتم حسمها نهائيا. وفي ولاية نيوهامفشر يحظى ترامب بالتأييد الجمهوري الكبير. في ظل غياب خصم حقيقي قد يهدد مكانته في هذه الولاية فان انتصار أولي مزدوج قد يمنحه الدفعة المطلوبة من اجل انهاء فترة الانتخابات الداخلية قبل أن تتحرك نحو الجنوب.
تجد كلينتون نفسها الآن تقف على أرضية لزجة قابلة للتحطم. وهذا يلائم الظروف الميدانية في الأمسيات الثلجية لولاية نيوهامفشر. ليس فقط لكونها متخلفة عن السناتور المفاجيء بارني ساندرس، بل ايضا لكونها توجد في إيوا في ذروة صراع في مواجهة خصمها الاشتراكي الديمقراطي الكهل الذي يحظى بتأييد الشباب الذين يعتبرونه مختلفا تماما عن هيلاري التابعة للمؤسسة والمحتالة. وهذا يضع الماكينة التنظيمية والمالية التي بنتها هيلاري أمام تحدٍ كبير. التعبير الأبرز على ضائقة كلينتون ظهر في المناظرة التلفزيونية الاخيرة بين المرشحين الديمقراطيين في هذا الاسبوع في إيوا حيث دافعت وزيرة الخارجية السابقة عن نفسها أمام الاسئلة الثاقبة لساندرس. على خلفية الضغط والعصبية التي بدت عليها يبدو أن المناظرة لم تساعدها في وقف تدهور مكانتها.
اذا نجح ساندرس في ترجيح الكفة لصالحه في إيوا فان هذا الانجاز، اضافة إلى انتصاره المتوقع في نيوهامفشر، قد يعيد خصمته الديمقراطية في نفق الزمن إلى صدمة الهزيمة من 2008. وفي نفس الوقت قد يعطي هذا ساندرس دفعة كبيرة وتيار متعاظم من التبرعات من اجل الجولات القادمة. في جميع الحالات بات واضحا أن من كانت تعتبر المرشحة المؤكدة في حزبها حتى الاسابيع الاخيرة، تحارب الآن على حياتها السياسية.
في ظل الأجواء الانتقادية التي تغطي الساحة العامة الأمريكية، تحولت كلينتون صاحبة العلاقات والمصادر الكثيرة إلى رمز واضح للمؤسسة الواشنطنية المكروهة. وبهذا منحت هامشا من الأمل لخصمها ساندرس الذي يرفض شروط اللعبة والقيم النخبوية سياسيا واقتصاديا. ولم يبق لنا سوى الانتظار ورؤية إذا كانت إيوا البعيدة ستصبح مرآة الواقع الأمريكي بالنسبة لكلينتون كما حدث في 2008.
إسرائيل اليوم