غير صامتين: تسفي برئيل
إن كل من تجاوز الحدود من تركيا إلى العراق يعرف المدينة الحدودية التركية سيلوفي. فعلى مدى سنوات طويلة تمتع سائقو السيارات العمومية الاكراد باحتكار نقل المسافرين من تركيا إلى معبر هابور، ومن المعبر إلى المدينة. كانت تلك سنوات الازدهار التي أبقت فيها الشاحنات التي عبرت الحدود الكثير من الفائدة على شكل النوم في الفنادق الصغيرة وشراء المأكولات من الحوانيت القروية. وايضا شاحنات النفط التي جاءت من العراق أفرغت حمولتها في محطات الوقود المحلية بأسعار رخيصة.
لكن منذ تموز الماضي انقلبت مدينة سيلوفي التي توجد في مقاطعة سيلوفي التي تشمل 23 قرية يعيش فيها أكثر من 73 ألف شخص، إلى منطقة للمعارك. وخلال 36 يوما كانت المدينة تحت حظر التجول. وفي الاسبوع الماضي تم رفع حظر التجول بشكل جزئي والسكان الذين عادوا إلى بيوتهم وجدوا أن الجيش قد ترك خلفه الدمار والخراب. فقد هُدم الكثير من المنازل واختفت الممتلكات. ويجب تذكر أن الحديث يدور عن مواطنين أتراك البعض منهم يؤيد حزب العمال الكردستاني المسؤول عن الاعمال الإرهابية في انحاء الدولة. لكنهم لم يشاركوا في الحرب. صحيح أن الحكومة التركية تزعم أنها قتلت في المعارك أكثر من 600 شخص من حزب العمال، لكن يصعب التأكد من زعمها.
«لا توجد مشكلة كردية في تركيا، بل توجد مشكلة إرهاب»، قال الرئيس رجب طيب اردوغان عن الحرب التي تديرها تركيا في جنوب شرق الدولة. إلا أنه في تركيا توجد «مشكلة كردية» كبيرة تجر الدولة إلى حرب اهلية صغيرة. هذه المشكلة هي التي جعلت أكثر من 1200 اكاديمي تركي يوقعون على عريضة تطلب من الحكومة وقف المعارك في المقاطعات الكردية.
الاكاديميون الذين يخرجون بمبادرة سياسية ضد سياسة حكومتهم ليسوا ظاهرة معروفة في إسرائيل. وكان يكفي محاضرا واحدا هو الدكتور الون ليئال الذي بادر ضد سياسة الحكومة، من اجل إحداث الضجة وجعل 150 طالب في المركز متعدد المجالات في هرتسليا، يطالبون باقالته وتحويله إلى خائن من قبل وزراء واعضاء كنيست. في تركيا في المقابل كان ذلك هو الرئيس الذي بدأ بحملة ضد المحاضرين في الجامعات وأمر بالتحقيق معهم واعتقال 18 منهم. بعضهم ستتم محاكمتهم بتهمة «القيام بدعاية إرهابية»، كما يتهم اردوغان، «إنهم سيدفعون ثمن سقوطهم في شرك الخيانة»، لوح الرئيس بإصبعه. «هل تعتقدون أنكم تستطيعون الاستفادة من حياة مريحة والحصول على راتب من الدولة دون دفع الثمن؟… في دولة قانون مثل تركيا، الاكاديميون الذين يضرون بوحدة الدولة لا يمكنهم الاستمرار في تنفيذ الجرائم».
مشكوك فيه أن نسمع اقوال فظة ضد الاكاديميين في إسرائيل. لأن الحكومة يمكنها الاعتماد على ولاء مؤسسات التعليم العالي. وهم ليسوا الوحيدين. رئيس حزب المعارضة التركي كمال كيليتش اوغلو تم اتهامه من الرئيس بأنه أهانه. فقد نعت كيليتش اردوغان بـ «ديكتاتور ديني». والدعوى القضائية التي قدمها اردوغان لم تمنع من تسمية خصمه بـ «غبي» و»غير عقلاني». هذه الاقوال المتبادلة تؤكد على أن المعارضة حتى لو لم تستطع كبح اردوغان أو تغييره، فهي تُسمع صوتها على الأقل. وفي إسرائيل لا يخشى رئيس الحكومة حتى من الاصوات.
يوجد لاردوغان في جيبه المزيد من الذخيرة. ففي الاسبوع الماضي توفي رجل الاعمال التركي مصطفى كوتش. والاتحاد الصناعي الضخم الذي كان يرأسه يشمل السياحة وانتاج السلاح. وقد قام اردوغان بتأبين كوتش لكنه «نسي» أن يذكر التهديد الذي وجهه اليه في صيف 2013 عندما اشتبك آلاف المتظاهرين مع قوات الامن على خلفية نية تدمير حديقة غازي في اسطنبول. كثير من المتظاهرين في حينه وجدوا الملجأ في فندق «ديوان» التابع لكوتش الذي قدم العلاج للمصابين. واردوغان قال في حينه إن كوتش سيدفع الثمن.
لقد تم بالفعل الغاء عطاء أمني فاز به كوتش وتم نشر عطاء جديد. هذا الاختراع القاضي بالحاق الضرر بالمصالح الاقتصادية للخصوم السياسيين، هو شيء معتاد في تركيا. في الاسبوع الماضي طلب مساعد رفيع المستوى لاردوغان مصادرة «بنك العمل» الذي يوجد بملكية خاصة. الحديث يدور عن بنك كبير في تركيا تبلغ أرصدته 91 مليار دولار. المهم هو أن أكثر من ربع أسهم البنك هي بملكية حزب المعارضة الجمهوري الذي يرأسه كيليتش. وقد كان يكفي اعلان واحد من اجل تراجع أسهم البنك بنسبة 3 في المئة. وحينما تنضم هذه الخطوات إلى الهجوم على الاكاديميين والصحافيين والمفكرين، فان الشعور بالاختناق يزداد ايضا عند رجال الاعمال.
إن المقارنة بين التفسير التركي لمفهوم الديمقراطية وبين التفسير الإسرائيلي، عادلة. لكن هذين المسارين المتوازيين يقتربان شيئا فشيئا. ففي نهاية المطاف اعتبرنا تركيا دائما أخت لنا.
هآرتس