مقالات مختارة

خصوم حزب الله: هزمنا دون «اطلاق رصاصة واحدة» ابراهيم ناصرالدين

 

اذا كان الرئيس سعد الحريري قد تسبب في «موت سريري» لفكرة 14 آذار كـ«ثورة» «استقلال» عابرة للطوائف، فان رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، نزع عنها «الاوكسيجين» واجرى في معراب مراسم «الجناز»، بانتظار تحديد موعد الدفن الذي يهاب اعضاء هذا الفريق الاعلان عن موعده. هذا التريث ينسحب ايضا على تحديد القوى السياسية اللبنانية لموقفها من الترشيحات الرئاسية، لكن لاسباب واقعية تتجاوز تهيب الفريق الاستقلالي دفن مشروعهم، فالامر هذه المرة يرتبط بما هو ابعد من شخصية الرئيس المفترضة، بعد ان انحصر التنافس بين رجلين يمثلان مشروع سياسي واحد، فالتريث مرتبط بتحصيل مكاسب داخلية، في ظل حالة من انعدام «الوزن» و«الضياع» لدى الرعاة الاقليميين والدوليين لفريق 14آذار، وهو ما زاد من تعقيد المشهد وزاده «ضبابية».

اوساط ديبلوماسية غربية تحدثت الى دائرة ضيقة من الاصدقاء، ارجعت تريث القوى السياسية الرئيسية في تحديد مواقفها من ترشيح رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» النائب العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، الى غياب ملامح الاشارات الاقليمية والدولية الواضحة حول الاستحقاق الرئاسي، وهذا ما يجعل من الجميع حذرين من الاستعجال في اتخاذ اي «دعسة ناقصة».

وفي هذا السياق لم تحصل قوى 14 آذار، على اجوبة اميركية مقنعة حول موقف واشنطن من المستجدات، فالسفارة الاميركية في بيروت كررت امام من راجعها، كلاما عاما ذكرت فيه بخطورة استمرار الفراغ الرئاسي دون تقديم اي اشارات واضحة حول حقيقة موقف الادارة الاميركية من ما حصل في معراب، وشددت على ضرورة انهاء الفراغ وتحصين الوضع الامني الداخلي، والابتعاد عن المزيد في التورط بالشأن السوري. وهذه الاجوبة اعطت هؤلاء مؤشرا على اصرار واشنطن على «النأي» نفسها عن الاستحقاق الرئاسي، مع الاشارة الى ان المسؤولين الاميركيين لا يرونها قريبة في ظل احتدام «الكباش» السعودي- الايراني.

وتلفت اوساط سياسية مطلعة، الى ان موقف «اللقاء الديموقراطي» يعبر بصدق عن حقيقة الوضع الراهن، فجنبلاط قرر بعد «خيبة» امله من الادارة السيئة للرئيس الحريري لتسوية ترشيح فرنجية، العودة الى المنطقة «الرمادية» التي يحبها كثيرا، وفيها يجيد لعبته في المناورة على الجميع لتحصيل ما يمكن تحصيله من مكاسب داخلية، طالما ان «اللعبة» الكبرى تتجاوز قدراته. وهو بهذا الموقف «المائع» فتح «بازار» المساومة مع الجميع، فهو وان كان «قلبه» و«عقله» يميلان الى ترشيح فرنجية، الا انه لم يقطع خطوط الرجعة امام احتمال وصول الجنرال عون الى الرئاسة، وهو عاد الى «لعبة» استدراج العروض في الوقت الاقليمي «الضائع»، وفتح ابواب المساومة مع الجميع لتحصيل ما يمكن تحصيله من التزامات حول «كعكة» السلطة المقبلة، ويأتي في اولويات «البيك» قانون الانتخابات النيابية، وهو في هذا السياق يتمسك بشعار، من «يقترب من النسبية يبعد عنا، ومن يبتعد عنها يقترب منا».

ولفهم حقيقة موقف جنبلاط الذي «غسل يديه» من اندفاعته لترشيح النائب سليمان فرنجية، وعودته الى المربع الاول بتاكيد ابقائه على ترشيح هنري حلو، تلفت تلك الاوساط الى ان موقف «البيك» الحرج يشبه كثيرا موقف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي ورطه الرئيس الحريري «بالتسوية «الباريسية مع فرنجية، ومن الواضح ان الموقف الجنبلاطي يتناغم مع موقف فرنسي يمكن توصيفه بانه تراجع «خطوة» الى الوراء، فبعد اتصال هولاند بالمرشح فرنجية والايحاء بدعم فرنسي له، تشير تسريبات وزارة الخارجية الفرنسية، الى أن موقف فرنسا واضح وثابت في الدعوة لحل سريع للجمود السياسي والمؤسساتي في لبنان، وفي مقدمته الفراغ الرئاسي. وفرنسا في موقفها المستجد اوحت انها لا تؤيد أي مرشح بشكل خاص، مشددة على ابقاء قنوات اتصال مع جميع الأفرقاء اللبنانيين.

وفي المؤشرات ايضا، لاحظ الوزير وائل ابو فاعور ان السعودية المستاءة من رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، لا تملك خطة «باء» للتعامل مع الموقف المستجد، ومن الواضح انها لم تكن متيقنة من اقدام «الحكيم» على هذه الخطوة، وكانت معظم التقارير الآتية من بيروت تفيد بأن جعجع يناور لتعزيز مكانته داخل المملكة، ولهذا تم تأخير الاستجابة لطلباته الملحة للقاء المسؤولين السعوديين، تحت عنوان ان المملكة لا تقبل التحدث مع اي كان تحت الضغط، او في اطار عملية «ابتزاز». هذه الوقائع السائدة في المملكة تشير الى ان مرحلة الانتظار قد تطول مرة جديدة ريثما تتكون خطة بديلة لدى المسؤولين السعوديين الذين لا يملكون في هذه المرحلة سوى الرهان على ثبات رئيس تيار المردة على موقفه من الاستمرار بالترشح، لكن المملكة تدرك ان الرهان في هذا السياق غير مضمون النتائج، فالرجل ما يزال في «المعسكر» الاخر، رغم تفاهمه الرئاسي مع الرئيس الحريري، والحسابات الضيقة بينه وبين «الجنرال» على الساحة اللبنانية قد يتم تجاوزها اذا ما وضع حزب الله ثقله لمصلحة البعد الاستراتيجي في العلاقة، فالمملكة فشلت في اقناع جعجع بعدم التمرد على قراراتها، تعرف انها لا تملك مونة على فرنجية المعروف بثبات مواقفه غير القابلة «للبيع والشراء». وفي المقابل لم يسمع ابوفاعور كلاما مباشرا وحاسما حول «فيتو» سعودي على ترشيح عون ولكنه سمع كلاما واضحا حول الاستمرار في دعم فرنجية، وهذا يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول احتمال حصول «استدارة» سعودية في مرحلة ما، ولذلك ابقى جنبلاط «الباب مواربا» ومفتوحا على كافة الاحتمالات.

على المقلب الاخر، ووفقا لاوساط 8آذار، من الواضح حتى الان ان حزب الله غير مستعجل في حرق المراحل ويقود اتصالات بعيدا عن الاضواء لتظهير الموقف المناسب في الوقت المناسب، خصوصا مسألة «ترطيب» العلاقة بين الجنرال عون والنائب فرنجية، والوصول الى «قواسم» مشتركة مع الرئيس نبيه بري لادارة المشهد الرئاسي الجديد بعد «زلزال» معراب. لكن تبقى هناك ثابتتان الاولى غير قابلة للنقاش وتفيد بان الحزب هو الطرف اللبناني الوحيد القادر على حسم اتجاهات القرار الرئاسي في فريقه السياسي، بعيدا عن انتظار المؤشرات الخارجية، وقد سمع بعض الحلفاء ممن اتصلوا في الساعات القليلة الماضية بعدد من المسؤولين الايرانيين والسوريين، الكلام المكرر نفسه حول مرجعية السيد حسن نصرالله في حسم اتجاهات الموقف الرئاسي. اما الثابتة الثانية التي يعمل الحزب على تسويقها لدى حلفائه، فتتعلق بعدم الرغبة في اي حال من الاحول بالنزول الى المجلس النيابي بمرشحين متنافسين، واي تسوية يجب ان تحصل خارج «اسوار» المجلس النيابي.

وفي الانتظار، دخل «السباق» الرئاسي مرحلة جديدة ووفق ديناميات مختلفة، اختلطت فيها الاوراق الاقليمية والمحلية على نحو غير مسبوق، وبمعزل عن اسم الرئيس وتاريخ وصوله الى قصر بعبدا، فان مجمل التطورات تصب في خانة «الربح الصافي» للمشروع المناهض للسعودية في لبنان، حيث تعترف مصادر قيادية في قوى 14آذار في مجالسها الخاصة بان حزب الله «هزمنا» هذه المرة دون ان يضطر الى «اطلاق» «رصاصة» واحدة….

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى