«جنيف السوري»: أسماء لم تُحسم وموعد يترنّح محمد بلوط
جون كيري الصامت في زيوريخ. وزير الخارجية الأميركي أخلى لنظيره الروسي سيرغي لافروف منبر المؤتمر الصحافي بعد ساعتين من نقاشات حاسمة وأخيرة، تمسكت بموعد الخامس والعشرين من كانون الثاني الحالي، للذهاب إلى «جنيف 3» السوري، لكن من دون كبير تفاؤل باحترام الموعد، بسبب ضرورة استكمال المفاوضات، والتفاهم مع الرياض، قبل المصادقة نهائياً على الصفقة.
الصامت الأميركي ترك للروسي لافروف أن يتحدث باسم «روسيا وأميركا» أكثر من مرة، حول ضرورة البدء قبل شباط المقبل بالمفاوضات السورية، وهو ما كرره المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر نيابة عن وزيره، من «أن توقعاتنا أن المفاوضات في جنيف تمضي قدماً نحو موعدها المقرر في 25 الشهر الحالي، لكن إذا تأخرت ليوم أو اثنين فهذه ليست نهاية العالم أيضا. نعترف بأن هذه عملية صعبة، لكن علينا مواصلة الضغوط ومواصلة المضي قدماً».
المساومة التي شقت طريقها بين الوزيرين، بحسب مصادر ديبلوماسية، تركزت على عرض أخير قدمه الروس للأميركيين: إما المناصفة في تركيبة الوفد من 16 عضواً، وإما التمسك الروسي بوفدين معارضين، يضم كل منهما 15 عضواً، وإما العودة إلى مواجهة ديبلوماسية سعودية ـ تركية ـ روسية، والعودة أيضاً إلى الرهان على التقدم الميداني المتواصل السوري ـ الروسي في سوريا، على حساب الجماعات المسلحة التي تعمل لحساب المثلث السعودي ـ القطري ـ التركي، وهو الرهان الحقيقي للروس لبناء معادلة سياسية جديدة في سوريا، من دون التخلي عن خيار المفاوضات، لكن من دون الارتهان لهذا الخيار وحده، كما كان الموقف الروسي قبل الانخراط عسكرياً في سوريا.
اللقاءات التي سيعقدها الوزير الأميركي اليوم في الرياض مع وزير الخارجية عادل الجبير، ستحدد مستقبل العملية السياسية، ولكن تحت سقف الشروط الروسية، التي تستبعد أيضاً أن يضم وفد المعارضة الى جنيف أياً من ممثلي «أحرار الشام» «القاعدية» كما قال لافروف، أو «جيش الإسلام»، أو «داعش».
الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا، سيتبعه إلى الرياض الأحد المقبل، لإجراء اتصالات أخيرة، والتوافق على «الأسماء»، إذا ما صدق كيري بتعهداته تجاه الروس، بإنجاح «جنيف 3»، على أن يعود دي ميستورا، ليعلن أسماء الوفد المفاوض الاثنين المقبل في مؤتمر صحافي يُعقد صباح الخامس والعشرين في قصر الأمم المتحدة، على ألا يتجاوز الموعد الجديد نهاية الشهر الحالي.
ومن المفترض أن يترك للسلطات السويسرية الوقت الكافي لتنظيم استقبال المدعوين، والإجراءات الأمنية التي ترافق هذه المفاوضات. وكان دي ميستورا، قد قال لشبكة «سي ان ان»، انه لن يكون بوسعه أن يحدد الموعد النهائي، قبل مساء الأحد المقبل، وهو ما يجعل انعقاد المؤتمر في اليوم التالي، أمراً مستبعداً كلياً.
وقال دي ميستورا إنه سيعلم يوم الأحد ما إذا كانت المفاوضات ستجرى في اليوم التالي، لكنه أضاف انها يجب أن تكون محادثات «جادة بشأن السلام» مرتبطة ببوادر ملموسة مثل وقف إطلاق النار والسماح بدخول قوافل الإغاثة. وتابع «أعتقد أن بوسعنا بدء المحادثات، ربما ليس في 25 (كانون الثاني) لكننا بحاجة إلى مواصلة الضغط وقوة الدفع». واعتبر أنه برغم الخلاف بين إيران والسعودية «فربما تدركان أنه قد حان الوقت للعمل من أجل حل سياسي (بشأن سوريا) يكون حلا وسطا».
لافروف أعاد التذكير بقواعد تسمية الوفد المعارض السوري، ورمى الكرة مجددا في ملعب الأمم المتحدة لكي تقوم هي بتشكيل الوفد عبر دي ميستورا، كما يخولها بذلك القرار 2245، فيما كان المتحدث باسمها فرحان حق يبرر عدم توجيه الدعوات إلى انعقاد المؤتمر، بانتظار توصل الروس والأميركيين إلى اتفاق.
وكرر لافروف شروط تشكيل الوفد المفاوض من بين مجموعات مؤتمرات القاهرة وموسكو والرياض، ومجموعات أخرى، والقرار لم يمنح الرياض أي حق بالانفراد بتشكيل أي وفد سوري إلى جنيف، بل بتنظيم اجتماع المعارضة كما جاء في إعلان فيينا. وقال لافروف إن «قرار مجلس الأمن يكلف ستيفان دي ميستورا بإرسال الدعوات المناسبة إلى الأطراف، نيابة عن الأمين العام للأمم المتحدة. وفي إعداد قائمة المدعوين يجب عليه أن يسترشد، من بين أمور أخرى، بنتائج تلك الاجتماعات التي أجرتها المعارضة في موسكو والقاهرة والرياض وغيرها من المبادرات».
وكانت «الهيئة التفاوضية العليا» لمؤتمر الرياض، التي ينسق أعمالها رياض حجاب، قد لجأت إلى توقيت إعلان أسماء وفدها إلى المفاوضات، مع بدء اجتماع الوزيرين، ومحاولة التوافق على صيغة مشتركة للذهاب إلى جنيف. ولم يكن توقيت الإعلان عن الأسماء وحده، يشكل استفزازاً سعودياً للروس، وإحراجاً للأميركيين، لكن ترئيس عسكري، هو العقيد المنشق أسعد الزعبي، للوفد، وتعيين محمد مصطفى علوش، رئيس المكتب السياسي لـ «جيش الإسلام» كبير المفاوضين، يعد تحدياً للروس، خصوصاً أنهم يطالبون بوضعه على لائحة الإرهاب.
وفيما كانت الخارجية الأميركية تذكّر بأن «جيش الإسلام» ليس إرهابياً، كان لافروف يرد من زيوريخ أن «حضوره غير ممكن»، من دون أن يخرق الوزير الأميركي الصمت الذي التزم به حتى النهاية.
(السفير)