مقالات مختارة

الانتصار الإيراني… يخدم النصر السوري الآتي: محمد ح. الحاج

 

صمدت إيران شعباً وحكومة طوال سنوات عانت خلالها من حرب إعلامية، وحصار اقتصادي وتجميد لأرصدتها المالية، عقوبات وتهديدات مستمرّة بالعدوان من قبل الغرب والصهيونية العالمية، كما عانى شعبها من فقدان للسلع وشظف العيش والتقشف إلى حدود تجاوزها بصبر وأناة واعتماد الإنتاج المحلي دون أن يتخلى عن موقفه الداعم لقيادته في مجابهة دول الاستكبار التي أرادت منع إيران من تحقيق برنامجها النووي السلمي، لمنع تقدّمها وتطوّرها التقني وانتقالها إلى مصافّ الدول الصناعية المتقدّمة فتكون قوة اقليمية.

من أهمّ عوامل الصمود والنجاح الذي حققته الجمهورية الاسلامية الإيرانية إضافة إلى حكمة القيادة في المفاوضات، الاستناد إلى موقف شعبي مؤيّد لم تتخلله ثغرات ولا نقاط ضعف، ولم تنجح الاستخبارات الدولية المعادية في إيجاد بؤر داخلية معادية أو جماعات قادرة على بلبلة الداخل الوطني، واقتصر التشويش على أطراف خارجية. هذا الموقف مكّن الدولة الإيرانية من التصدّي أيضاً لهذه العمليات سواء في لبنان حيث العدو الأول للصهيونية حزب الله الذي هزم العدو الصهيوني في أكثر من حرب، أو في دعمها لسورية التي كان من أهداف الحرب عليها إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد تمهيداً لحصار وإسقاط النظام الإيراني وإنهاء المقاومة اللبنانية، وذلك بتعاون دولي يتمثل في الإدارة الأميركية ومعها دول الغرب إضافة إلى موقف يمثل شبه اجماع للأنظمة العربية لا سيما دول الخليج وعلى رأسها السعودية.

انّ صمود سورية، حكومة وجيشاً وشعباً، بمواكبة ودعم من إيران والاتحاد الروسي، بعد سنوات من المراوحة في المكان والحفاظ على بنية الدولة، أتاح للجيش السوري الانتقال إلى مرحلة الهجوم وبدء عمليات القضاء على الإرهاب في المحاور الرئيسة، وربما ساهم الموقف الغربي المتردّد في وقف أو خفض عمليات دعم الحرب على سورية بذريعة تمدّد الإرهاب وانتشاره في دول عديدة منها أوروبية، والرسائل الخطيرة التي بعث بها الإرهاب، وهو ما أنتج رعباً شعبياً غربياً ورافعة لممارسة ضغوط على قيادات هذا الغرب، ومع أنّ التمويل والإمداد لم يتوقف بشكل كلي ونهائي، إلا أنه شكّل بداية التوجه لموقف لافت يدفع بالتنظيمات الإرهابية التكفيرية إلى إعادة حساباتها

كذلك ما يسمىّ المعارضات السورية التي كانت تراهن على انتصار هذا الإرهاب معتقدة أنها ستكون الرابحة، وهو اعتقاد خاطئ طبعاً. وحدهما السعودية وتركيا استمرتا على موقفهما رغم بعض التلميحات المواكبة نوعاً ما لمواقف الغرب ودول العالم الأخرى، وكان موقفهما فيه الكثير من النفاق والتضليل وبقيت الممارسة على أرض الواقع لم تتبدّل ربما إلى ما بعد تفجيرات اسطنبول وغيرها، وعدم قدرة الحكومة التركية على التستّر أكثر فأكثر على حقيقة التنظيمات التي قامت بالعمليات، وساهمت في كشف خداعها وكذبها أحزاب وصحافة معارضة على نطاق واسع، إضافة إلى طلب أميركي بإغلاق الحدود ووقف جسور الإمداد اللوجستي، عتاداً وأفراداً.

الجمهورية الإسلامية الإيرانية وخلال فترة الحصار والعقوبات الدولية اتجهت إلى مضاعفة قدراتها الدفاعية والاتكال على الإنتاج المحلي حيث تعرّضت الصفقات الموقعة مع دول كالاتحاد الروسي والصين وغيرهما إلى التوقيف بسبب العقوبات الصادرة عن مجلس الأمن والتزام الدول المذكورة، وقد حققت نجاحات باهرة في هذا المجال كانت تعلنها على الملأ، والكثير من الإنتاج الحربي المحلي شكل عامل ردع في وجه التهديدات الخارجية.

علماء إيران، وربما بمساعدة علماء من المشرق نجحوا، بل أبدعوا، واستمرّ التقدّم في البرنامج النووي السلمي بمواكبة نموّ القدرة الدفاعية والوصول إلى إنجاز قوة هجومية صاروخية متعدّدة الصنوف من حيث المدى والمسافات، وكان ذلك كافياً لتتجنّب حرباً لا تريدها، السياسة العقلانية ساهمت بدورها في الوصول إلى شاطئ الأمن والأمان.

إيران التي لم تتخلّ عن حلفائها في المنطقة وفي أحلك الظروف، تجد نفسها اليوم وبعد رفع العقوبات الدولية والغربية بشكل عام، وبعد الإفراج عن أموالها، وفتح الأبواب أمام عمليات تصدير النفط وإنتاجها المحلي المرغوب عالمياً، في حالة من الرخاء والبحبوحة تسمح لها بزيادة الدعم لمن وقف إلى جانبها، التنسيق الروسي الإيراني عامل نجاح مؤكد، وقرار تنفيذ عقود التسليح وأهمّها منظومات الدفاع الجوي، وتوقيع المزيد من عقود التعاون في كلّ المجالات ومنها مجال الصناعات الحربية لمصلحة الدولتين، والدول التي تحظى بدعمهما ورعايتهما، وأهمّها الدولة السورية التي كان ذنبها عدم التخلي عن تعاونها واتفاقاتها الاستراتيجية مع الجمهورية الإسلامية، كما رفضت التخلي عن المقاومة، ثقافة وممارسة، ولم ترضخ لشروط الإدارة الأميركية التي هي في الأصل شروط اللوبي الصهيو ماسوني في الغرب، وهو تمرّد وخروج على طاعة الاستكبار إياه.

إيران من جديد دولة إقليمية فاعلة، وقوة عسكرية واقتصادية يُحسب لها ألف حساب، اليوم بدأ التسابق الغربي والدولي لإعادة الجسور معها، فتح الأسواق أمامها والدخول إلى أسواقها وإقامة العلاقات الندية بعد التأكد أنها لم، ولن تخضع، وأنها لن تتعامل إلا بشروطها، إيران تقطف ثمار صمود وصبر طويلين واحتمال وتجاوز للحصار بدعم شعبها الذي آمن بالنصر وحققه، وهي ليست معنية بمواقف دول لا وزن لها ولا حساب، باعت مواقفها لقاء الرشوة، وفي المقابل تخسر القوة التي فرض عليها الغرب معاداة الجمهورية الإسلامية الإيرانية مملكة آل سعود مواقفها تباعاً، على الصعد كافة، السياسي والعسكري وسيلحق بهما موقفها المالي في مستقبل ليس بالبعيد، هزائم متتالية في ساحات سورية واليمن، والعراق ولبنان، ولن يفيد بقاءها شراء الحلفاء وعمالة الأعداء، فالمال ينفذ ويسقط التحالف، وتبقى وصمة العمالة تلازمها عبر التاريخ.

من المعيب أن يدرك الغرب موقع الدولة الإيرانية وأهميتها المستقبلية للأمن والسلام العالمي وخصوصاً في المنطقة، ودورها في الحفاظ على سمعة الإسلام وتسامحه وقبوله بالآخر ومبدأ الحوار والاتجاه إلى إقامة علاقات حسنة مع محيطها والعالم الذي ناصبها العداء وبادرها الإساءة، وهو الآن يتراجع تجاه مصالحه ليدفع بدول يعتبرها أدواته لتشكل مواقفها العدو البديل ويقطف هذا الغرب ثمرة الانفتاح على إيران، ثم يستثمر في أعداء لها من المحيط، خدمة لأغراض ومشاريع الصهيو ماسونية التي تعتبرها عدواً استراتيجياً، من المعيب أن لا تدرك دول عربية كبرى كمصر أهمية إيران وموقعها، وهي الدولة التي لم تناصب مصر ولم تبادرها العداء، بل استمرّت في الدعوة لإقامة أفضل العلاقات معها ومع باقي الدول العربية ومن ضمنها السعودية التي ليست مهتمة بعلاقات الأخوة الدينية ولا بحسن الجوار لأنها لا تملك قرارها ولا تبحث عن مصالح الشعوب في المنطقة، وأحرى بدول الخليج – الجوار الإيراني استغلال الظروف ومبادرة الدولة الإيرانية التحية بإعادة العلاقات معها إلى أفضل حال، خدمة لاستراتيجية الحفاظ على المنطقة وخروجاً من عباءة التبعية العمياء للموقف السعودي المشبوه المرسوم من قبل استخبارات الغرب الذي لا يرى في المنطقة إلا مصدراً مهماً لاحتياجاته من المواد الأولية وسوقاً واسعة لتصريف منتجاته، إيران على الأقلّ يمكن الحوار معها بشفافية والوصول إلى توافق وحلول لبعض المشاكل العالقة بعيداً عن التعصب الديني والمذهبي الذي أثاره الغرب وأحسن استغلاله.

نقرأ في الانتصار الإيراني وعودة هذه الجمهورية إلى الموقع الذي تستحق من حيث القوة والفاعلية والتأثير، بوادر تؤمّن عناصر تحقيق الانتصار لسورية في حربها على العدوان القادم من كلّ جهات الأرض يستهدفها وجوداً وحضارة، الانتصار الذي سيحققه الجيش السوري مدعوماً بموقف شعبي مصمّم ومؤمن بالنصر، يرفده دعم المخلصين من الدول الصديقة وعلى رأسها الاتحاد الروسي والجمهورية الإسلامية الإيرانية ودول صديقة أخرى.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى