واشنطن تصالح وحيدة
غالب قنديل
على امتداد حوالي أربعين عاما سخرت الولايات المتحدة جميع الحكومات التابعة في المنطقة لمحاصرة إيران وحثتها على اتخاذ أقصى التدابير العدائية في وجه إيران سياسيا واقتصاديا وامنيا وإعلاميا.
عندما وجدت الولايات المتحدة نفسها مضطرة للاعتراف بالقوة الإيرانية والسير نحو التصالح مع طهران أدارت ظهرها لمن ورطتهم في القطيعة والعداوة اتجاه إيران وحرصت ان تنفتح على إيران بصحبة شركائها في الناتو بينما أقحمت المرتبطين بها في المنطقة بالمزيد من العداء والتوتر رغم الانفتاح الإيراني والاستعداد المستمر للتعامل بمنطق الجوار والشراكة الإقليمية مع حكومات تتجه بالإيعاز الأميركي إلى التعاون مع الكيان الصهيوني بدلا من التقاط لحظة سانحة لشراكة مثمرة مع الجار الإيراني .
الكذبة الأميركية الكبرى هي تصوير التخندق السياسي الحالي بعد الاتفاق النووي على انه انعكاس لتشنج شيعي – سني وهذا ما تكذبه مواقف دول كبرى في العالم الإسلامي آثرت موقعا أقرب إلى الحياد بين الجمهورية الإسلامية والمملكة السعودية ورغم ارتباط بعضها الوثيق بالغرب.
الصحيح ان محور التخندق الفعلي هو حول العلاقة مع إسرائيل التي رفضت إيران بقوة وصلابة ان تتنازل عن أي من مبادئها في الموقف منها فهي منذ انتصار الثورة اعتبرت إسرائيل كيانا استعماريا غريبا عن نسيج المنطقة وهي التزمت بدعم الشعب الفلسطيني وكفاحه لتحرير أرضه وما يزال هذا المبدأ ثابتا وراسخا في سياسة طهران ومواقفها وقد رفضت أي مساومة عليه خلال مسار التفاوض الصعب والمتعرج مع الولايات المتحدة وسائر حكومات الغرب التي تضع مصالح إسرائيل في اولوية سياساتها في المنطقة.
ما أهدرته المملكة السعودية ومعظم حكومات الخليج في خدمة السياسة الأميركية المعادية لإيران هائل ويمثل كتلة ضخمة من ثرواتها سواء في تمويل حرب السنوات الثماني التي أقحم الجيش العراقي في خوضها لاستنزاف إيران ولتدمير اقتصادها وقواها الحية دون طائل ام في السنوات اللاحقة التي قادت إلى احتلال العراق وتسعير الصراعات والحروب التي تمولها المملكة وصولا إلى حرب اليمن التي أشعلت النار داخل المملكة نفسها وبات الخبراء الأميركيون يدعونها فيتنام السعودية.
يمكن الحديث بكل بساطة عن تريليونات الدولارات التي تكدست في خزائن شركات السلاح الأميركية بهدف كسر الإرادة الإيرانية وبخلفية العداء لإيران وهي ثروات كانت كافية لو توافر القليل من الرشد لتنويع مصادر الثروة الخليجية ولتحقيق ثوة صناعية تكنولوجية على غرار ما حققته إيران في طريق تقدمها الحضاري لأنها تمسكت باستقلالها السياسي بحزم واستثمرت في الإنسان والقوة المنتجة الإيرانية وهو ما أهلها لانتزاع حقوقها من الغرب بجدارة .
عندما أسقط الشعب الإيراني نظام الشاه تباكى حكام الخليج وتحدثوا سرا وعلنا عن هاجس التخلي الأميركي بعد انهيار أهم وكلاء المصالح الأميركية والصهيونية في المنطقة والذي كان يعتبر زعيم حلفاء الغرب واتباعه في المشرق وقد تحسسوا رؤوسهم مجددا عندما خطط الأميركيون مع رجب أردوغان لاجتياح المنطقة بموجات ما سمي الربيع العربي لتنصيب حكومات الأخوان المسلمين وأطاحوا بكل من حسني مبارك وزين العابدين بن علي وهما الرئيسان الأشد انضباطا بالتوجيهات الأميركية الصهيونية ورغم كل ذلك ظلوا صاغرين للتعليمات.
صدمات التطبيع الأميركي والغربي مع إيران سوف تتوالى وتدفعها قوة المصالح كالعادة بينما يقرع المتورطون طبول العداوة والفتنة ضد إيران لمصلحة إسرائيل التي تعرف جيدا ما سيعنيه صعود القوة الإيرانية بعد فك الحصار اما الحكومات التابعة في البلاد العربية فهي منقادة للأوامر وليست سوى أدوات يمنعها السيد الأميركي مما يبيحه لنفسه مع دولة جندها لمحاربتها بكل الوسائل وفشلوا جميعا فلما حانت ساعة الحقيقة تخلى عنهم ولم يحفظ لهم حتى ماء الوجه بل إنهم “غضبوا” لعدم إعطائهم علما بمضمون الاتفاق قبل توقيعه وظلوا خلف التعليمات الأميركية يشهرون العداوة لإيران من غير ان يرف لهم جفن او يطلع من صفوفهم صوت فيه القليل من العقل داعيا لمراجعة الحسابات بعد الخراب الكبير.