مقالات مختارة

إيران : سطرٌ جديدٌ في العلاقات الدوليّة ناصيف ياسين

 

بين غياب الإتحاد السوفياتي عن المسرح الدوليّ ، ورفع العقوبات عن إيران ، رُبْعُ قرنٍ مضى ، لعبت فيه الولايات المتحدة دور راعي البقر التكساسيّ الذي يضرب بالسوط أقفية الدول ، كي يستقيمَ له إخضاعُها ونهبُ خيراتها .

هذه الحقبة ، سارت فيها واشنطن ، مُستلهِمَةً فلسفة ” فوكوياما ” في كتابه ” نهاية التاريخ ” الذي بشّر بالإمبراطورية الأمريكية ، من جهة ، وانتهاج مبدإ ” صِدام الحضارات ” ، كبديلٍ لصراع الطبقات الذي نعاه صموئيل هنتغتون .

وإذْ أجّلَت أمريكا مواجهتها مع الصين ، إلى ظروفٍ أكثرَ ملاءمةً ، إلّا أنها وضعت نصب أعيُنها خَمسَ دولٍ فيما أسمته ” محور الشرّ ” ، اعتبرتها ” خارجةً على إرادتها ” ، ولا بدّ من معاقبتها : ليبيا ، العراق ، سوريا ، إيران وكوريا الشمالية .

عملت الإمبريالية الأمريكية ، ومعها حِلْفُها ، على استفراد كلّ دولةٍ على حِدَة : أخضعت ليبيا ، بدايةً ، وسلّمَ لها القذّافي مقوده ، ولم يشفع له عندها تخلّيه عن برنامجه النوويّ ، بل ، وإفشاء سرّ علاقته بعبد القدير خان ” أبو القنبلة النووية الباكستانية ” ، والتنظيمات الثورية التي كانت قد تعاملت مع القذافي وائتمنته على أسرار أعمالها … والمصير الذي وصلت إليه ليبيا وزعيمها – حتى الآن – معروف .

ثمّ عمَدَ التحالف ، بقيادة واشنطن إلى إسقاط النظام العراقيّ ، وملاحقة رأسه وأركانه ، وحَلّ الجيش العراقيّ عام 2003 ، بعد حصارٍ ظالمٍ للشعب وأسباب حياته اليومية ، دام ثلاث عشرة سنة ، ثمّ زُرِعَت ” القاعدة ” ومتفرّعاتها ، في بلاد الرافدين .

أمّا سوريا ، التي تُشنُّ عليها ، الآن ، حربٌ عالميّة ثالثة ، فما زالت تعاني مخاض الصراع الدائر على أرضها ، وضدّها ، منذ أربع سنوات ، قصْدَ تغيير نظامها ، أو إخضاعه ، وهو ما يُنْبي بغير ذلك ، حسب المعطيات الحدَثيّة ، على الأرض .

وإذِ اقتصر الموقف المؤجّلُ تجاه كوريا الشمالية – وربطه بمصير الصين – على التنديد بسلاحها النووي ، ثم الهيدروجينيّ ، حسب آخر تجاربها ، مع تضييق الحواجز عليها من ناحية كوريا الجنوبية ، فإنّ ” عِلّةَ العِلَل ” كانت : إيران ، لِما لها من تأثيرٍ ، بحُكْم موقعها الجيوستراتيجيّ وتفاعلاته في آسيا الوسطى ، بدءًا من محيط بحر قزوين ، إلى منطقة ما يُسمّى ” الشرق الأوسط ، لا سيّما البلدان العربية ، عمومًا ، ومنطقة الخليج ، على وجه الخصوص ، والموقف – وهذا هو الأهمّ بِنَظَر أمريكا – من ” إسرائيل ” .

وفق هذه الرؤية ، يُمكن النظر إلى الإنتصار الذي حقّقته الجمهورية الإسلامية ، وما سينتج عنه ، من آثار وتفاعلات ، في المنطقة ، وبقية العالَم … وإذا كان الرئيس ” روحاني ” قد استعمل التوصيف الدبلوماسيّ لنتائج انتصار إيران ، باختصار : رابح – رابح ، ما يعني أنّ إيران ربحت ، وكذلك العالَم ، إلّا إنه وضع الإصبع ، بدقّةٍ ، على الخاسرين ، حينما حدّد المُتضرّرين بإشارته              إلى : المُتشدّدين في الولايات المتّحدة – أنصار ” إيباك ” الصهيونية – وإلى مُشعلي الحروب من دول المنطقة ، و معهم ” إسرائيل ” .

لا مبالغة في القول ، إنّ إيران قد أنهت ” رُبعَ القرن الأمريكيّ ” ، وكتبت السطر الأوّلَ ، الآن ، في فصل العلاقات الدّوليّة الجديدة الذي يندرج تحت العنوان القائل : ” أمريكا ليست قدَرًا إلهيًّا لا يُمكِنُ رَدُّه ” ، بل قابلٌ للهزيمة أمام الإرادة ، والعزيمة الشعبية . فالنّصرُ : عزمٌ واستقواء ، والهزيمة بنتُ التٰوَسُّل والتسوّل والإستجداء ؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى