إيران بعد «النووي»: القرار عند «حزب الله».. رئاسياً نبيل هيثم
القراءة المتحمّسة للاتفاق النووي لبنانياً، تتوقع تأثيرات سريعة ومباشرة على الصورة الاقليمية والدولية، وتذهب حماسة البعض هنا الى حد الاعتقاد بأن انقلاباً إيرانياً سيحدث في لبنان، خاصة على المستوى الرئاسي.
القراءة المغتاظة من هذا الاتفاق، تخشى من أن يعطي إيران أسباباً لتضخيم دورها في المنطقة، وللتأثير على مجمل الملفات والساحات الساخنة. ولبنانياً، تخشى من انقلاب يغيّر موقع لبنان ووجهه.
القراءة الموضوعية لهذا الاتفاق، وكما نقلها بعض العائدين حديثاً من طهران، تنطوي على الخلاصات التالية:
– يحرّر إيران من أسر عقوبات وحصار فرضت عليها منذ بداية الثورة الاسلامية. ومن الطبيعي أن يضعها على سكة الانتعاش في مجالات عديدة.
– ليس موجهاً ضد أحد، وهي صادقة في التزاماتها تجاه شعبها وتجاه العالم.
– يخدم مصالح الجميع، لكن هناك دولاً مصرّة على أن تبقى إيران رهن الاعتقال الدولي، ولأن من وقع الاتفاق من الأميركيين والغرب، أقرّ بإيران كدولة كبرى لها موقعها على المستويين الإقليمي والدولي، ولها نفوذها في أكثر ساحة، وحضورها ودورها وكلمتها في قضايا المنطقة وملفاتها.
– إيران تريد لحلفائها أن ينتصروا في كل ساحاتهم، وهذا مسلّم به قبل الاتفاق النووي وبعده. وفي هذا السياق تعنينا قوة المقاومة في لبنان وحضورها ودورها وجهوزيتها الدائمة في مواجهة العدوين الإسرائيلي والتكفيري.
– علاقة إيران بلبنان قبل الاتفاق النووي، هي نفسها بعده. يعنيها استقراره السياسي والأمني وانتظام عمل المؤسسات فيه، وأن يبقى بلد التنوع، ومحافظاً على هذا التنوع ومحيطاً له بالرعاية والأمان، خاصة أن احد اهم اهداف الحرب التكفيرية التي تشن على المنطقة هو إعدام هذا التنوع.
وما يعني إيران ايضاً هو كل ما يؤدي الى انعاش لبنان اقتصادياً. وسبق لها ان عبرت عن استعدادها لتسليح الجيش اللبناني. (هناك من يقول إن إمكانية تحريك هذا الملف تصبح قوية جداً بعد رفع العقوبات عن إيران، وينزع كل العراقيل والذرائع من أمام تحقيق هذه الهبة).
كما سبق لها في مجال آخر أن عرضت على لبنان، عبر السفير الايراني الراحل في لبنان غضنفر ركن ابادي، حلاً لأزمة الكهرباء، وذلك عبر بناء معامل لتوليد الطاقة بتغذية 24 على 24 وبكلفة لا تصل الى نصف الكلفة التي يتكبَّدها لبنان سنوياً وبقرض ميسّر.. وهذا العرض ما يزال ساري المفعول.
– إيران قبل الاتفاق لم تتدخّل بالشأن الداخلي اللبناني، لن تتدخل بعده. لا دخل لإيران بالشأن الرئاسي اللبناني، ولن تتدخّل فيه، اللبنانيون أدرى بمصلحة بلدهم، وهم الأقدر على اختيار مَن يشاؤون.
الأميركيون انكفأوا عن ملفات عديدة، وفي صدارتها الملف الرئاسي اللبناني. أراد الفرنسيون أن يبحثوا هذا الموضوع مع ايران، هذا شأنهم، وثمة إشارات على أنهم يمكن أن يطرحوا هذا الموضوع خلال قمة الرئيسين الإيراني والفرنسي نهاية الشهر الجاري، وإن طرحوه فربما يكون كلامهم من طرف واحد، نحن لن نعطي رأينا.
مشكلة الفرنسيين أنهم يحاولون أن يصنعوا دوراً في هذا الموضوع، مع أنهم متّهمون بأنهم أثبتوا على مدى السنوات الماضية أنهم محترفون في اللعب في الوقت الضائع ومن دون أي طائل، ومشكلتهم انهم يواصلون هذا اللعب، ومع الطرف غير المعني بكل اللعبة، ولا يريد أن يكون له دور فيها.
تبعاً لذلك، موقف ايران الثابت رئاسياً سبق وأبلغته الى كل القوى والشخصيات الدولية التي راجعتها في هذا الشأن. «قلنا لهم لن نتدخل، راجعوا اللبنانيين، ولن نمارس ضغوطاً على أي كان، علماً أننا لم يسبق أن مارسنا مثل هذه الضغوط على أي طرف لبناني. خصوصاً على حزب الله، فالقرار يعود له، وهو وحده الذي يرسم طريقه ويحدد ما يراه ملائماً لبلده، ويدعم من يراه مناسباً لرئاسة الجمهورية. وسواء اختار ميشال عون او سليمان فرنجية او أي أحد غيرهما، فلا حدود لثقة إيران بحزب الله، وهي تحترم قراره وتؤيده وتلتزم به كيفما جاء».
هل الدخول في زمن الاتفاق النووي، يسرّع انتخابات الرئاسة في لبنان؟
السائد هو أن الانتخابات الرئاسية مجمّدة لأشهر.. الاميركيون يقولون لمن يلتقيهم من اللبنانيين انهم مع انتخابات سريعة، لكن الظروف ليست مؤاتية لإجرائها، لذلك هم منكفئون، وها هو القائم بالأعمال الأميركي ريتشارد جونز، قد أمضى إجازة خاصة في ذروة عاصفة التسوية الباريسية.
هناك من يقول إن دخول الاتفاق حيز التطبيق الفعلي، يمهّد لوضع الملفات الإقليمية الساخنة على سكة الحل. لكن هذا الأمر، إنْ تقرّر المضي به، يتطلّب وقتاً، ولأن لبنان هو الحلقة الأقل تعقيداً، فقد يبرز توجه دولي لإجراء الانتخابات الرئاسية خلال فترة لا تزيد عن ستة أشهر. ولكن هناك مَن هو متشائم، فلا يرى انتخابات رئاسية قبل سنة وربما أكثر، مع خشيته من احتمال بروز تطورات يمكن أن تُفرَض على صورة النظام السياسي.
(السفير)