تطور الانتفاضة والقلق الصهيوني حسين عطوي
منذ بدء الانتفاضة الفلسطينية الثالثة تصاعد القلق في الكيان الصهيوني، وعلى وجه التحديد في دوائر صنع القرار فيه، إن كان على المستوى السياسي، أو الأمني، أو العسكري، أو مراكز الأبحاث التي تقدم تقدير موقف لصانع القرار، والسبب في مصدر هذا القلق أمران: الأول: انعكاسات وتداعيات استمرار الانتفاضة الثالثة وتطور أدائها وانتقالها إلى استخدام السلاح، من دون أي قدرة على احتوائها أو السيطرة عليها.
الثاني: الخوف، أن يقود ذلك إلى تداعي وانهيار السلطة الفلسطينية، التي يشكل وجودها ضمانة لكيان العدو لضبط الوضع الأمني في الضفة الغربية، والحد من تنامي وتصاعد حجم المشاركة في نشاطات الانتفاضة.
ومع دخول الانتفاضة في شهرها الرابع، ارتفع منسوب هذا القلق الصهيوني من احتمال انهيار السلطة وبدأ الاستعداد له، وظهر ذلك من خلال الآتي:
ـ إعلان رئيس وزراء العدو بنيامين نتانياهو ضرورة أن تستعد «إسرائيل لإحتمال انهيار السلطة الفلسطينية» وضرورة «منع هذا السيناريو قدر الإمكان».
ـ ذكرت صحيفة هآرتس الصهيونية «أن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر عقد خلال عشرة أيام جلستين خصصتا لإمكانية انهيار السلطة في ظل الجمود السياسي، والتصعيد الأمني في الميدان، والأزمة الاقتصادية في الضفة الغربية، والأزمة السياسية في القيادة الفلسطينية.
ونقلت عن مسؤول صهيوني رفيع المستوى قوله: «إن المناقشات في موضوع انهيار محتمل للسلطة جرت في أعقاب تقرير خطي وشفوي رفع من المؤسسة الأمنية إلى القيادة السياسية، وحذر التقرير من سيناريو لا تتمكن فيه السلطة من أداء مهامها وتصبح عمليا قاصرة على التسديد» وأضاف أن المؤسسة الأمنية أوصت المجلس الوزاري المصغر بتبني سياسة رسمية لمنع الانهيار، واتخاذ بادرات حسن نيه وخطوات على الأرض تبعد تحقق مثل هذا السيناريو .
ولوحظ أن الاستعداد الصهيوني لاحتمال انهيار السلطة، دفع رئيسها محمود عباس إلى إطلاق تصريح اعتبر فيه أن السلطة الفلسطينية باقية مكانها، وهي «انجاز من انجازاتنا لن نتخلى عنه».
والأسئلة التي تطرح في هذا السياق هي:
لماذا ازداد قلق صناع القرار في كيان العدو من احتمال انهيار السلطة، ولماذا يستعدون له، وفي نفس الوقت يبذلون الجهد للحيلولة دون حصول ذلك؟.
وهل فعلاً أن السلطة تشكل انجازاً؟
أولاً: في أسباب تنامي القلق الصهيوني:
المتابع للتطورات الأخيرة في مشهد الانتفاضة الثالث، على صعيدي، العمليات، والمشاركة الشعبية، يتضح له أن أسباب تزايد القلق الصهيوي، إنما تعود إلى التطورات التالية:
التطور الأول: يكمن في تطور أداء عمليات الشباب الفلسطيني لناحيتين، القدرة على تنفيذ عمليات نوعية متواترة ضد جنود الاحتلال والمستوطنين والانتقال إلى استخدام السلاح الناري في عملياتهم، إلى جانب سلاحي الطعن بالسكين، والدهس بالسيارات، وهذا التطور أدى إلى رفع أعداد القتلى والجرحى الصهاينة.
التطور الثاني: انخراط الشباب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948 في تنفيذ العمليات الفدائية بواسطة السلاح الذي سهلت سلطات الاحتلال انتشاره في مناطق الوجود الفلسطيني في الجليل والمثلث خصوصاً، بغرض التشجيع على استخدامه في ارتكاب الجرائم وبالتالي إدخال المجتمع الفلسطيني، ولا سيما الشباب منه، في خضم ومستنقع الجريمة بما يبعده عن الاهتمام بقضاياه الوطنية.
وتجلى هذا التطور بإقدام الشاب الفلسطيني نشأت ملحم على تنفيذ عملية جرئية في قلب تل أبيب وقتل وجرح عدد من المستوطنين، وإدخال كيان العدو لمدة أسبوع في حالة من الاستنفار والارتباك الأمني، إلى أن تمكنت من قوات الاحتلال من اغتياله في بلدة أم الفحم وسقط شهيداً، لكنه تحول في أوساط الشعب الفلسطيني إلى بطل ونموذج يضرب فيه المثل في مقاومة المحتل، واقيمت له مجالس العزاء في قطاع غزة والضفة الغربية، الأمر الذي ضاعف من قلق العدو.
التطور الثالث: ازدياد في حجم المشاركة الشعبية في أنشطة الانتفاضة، لا سيما في تشييع جثامين الشهداء منفذين العلميات الفدائية ضد الجنود والمستوطنين الصهاينة، بعد قيام سلطات العدو بتسليمهم إلى ذويهم، وهذه المشاركة الواسعة تحصل على الرغم من تحذيرات هذه السلطات منها، وقيامها بتسليم الجثامين في ظروف طقس شتوي قاسي، الأمر الذي يظهر حجم المكانة التي يتمتع بها الشهداء عند الجماهير الفلسطينية.