مقالات مختارة

وهم الرعاية والحماية الدولية في فلسطين- معين الطاهر

 

ثمّة ما يشبه الإجماع في صفوف الشعب الفلسطيني، ونخبه السياسية والثقافية، على أن مرحلة في المشروع الوطني الفلسطيني قد انتهت أو كادت، وأن مرحلة جديدة في النضال الفلسطيني بدأت بالتشكل والظهور، بعد أن تكفل الاستيطان والصلف الصهيوني بالإجهاز على حل الدولتين، وأضحت السلطة الفلسطينية، وبعد ربع قرن من المفاوضات الماراثونية، بلا سلطة، على حد تعبير القائمين عليها .

مشروع حل الدولتين الذي وافقت عليه قيادة منظمة التحرير يعطي جزءاً من الشعب (دولة) على جزءٍ من الأرض. لكن حتى هذا الجزء قد انهار تماماً بعد أن تجاوز عدد المستوطنين 750 ألف في المناطق المحتلة منذ عام 1967. وفي مطلع السنة الجديدة، أقرت الحكومة الصهيونية مشاريع لزيادة عدد المستوطنين إلى مليون في السنوات الأربع المقبلة. وليس بعيداً أن تدفع هذه الوقائع التي تتجدد في كل يوم يستمر فيه الاحتلال، وتستمر مهادنته، أو الصمت على جرائمه، إلى المطالبة الصهيونية، وربما الدولية، إلى إجراء مفاوضات بين الكتلة الاستيطانية والعرب في الضفة الغربية، لحل النزاع هناك. هنا، نعود إلى تقسيم المقسم، ونسمح للمشروع الصهيوني بالامتداد والتوسع.

في ظل هذه الأجواء، يسعى بعضهم إلى محاولة تعويم الوضع القائم، وعدم الاعتراف بفشله، على الرغم من السرطان الاستيطاني، والتنازلات المتتالية عبر سنوات المفاوضات الطويلة، وعلى الرغم من تجريد السلطة الفلسطينية من كل صلاحياتها السيادية، واقتصار مهمتها على المهمات ذات الطابع الأمني وبعض الخدمات. وعلى الرغم من اعتراف الرئيس محمود عباس بفشل “حل الدولتين”، معتبراً أن هذا الفشل تسبب في “يأس الشباب”، ودفعهم إلى القيام بـ “الهبة العفوية”. وعوضاً عن تشكيل حاضنةٍ لهذه الهبة وتطويرها ورعايتها ودعمها، على الرغم من مرور أربعة أشهر عليها، أو، وذلك أضعف الإيمان، إعلان موقف إيجابي منها ومؤيد لها، بدلاً من اعتبارها هبة عفوية، يقوم بها شباب يائسون، تلجأ قيادات متنفذة في أعلى الهرم إلى بيع الوهم مجدداً للشعب الفلسطيني، بإعلانها عزمها التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، للحصول على قرار يتضمن مرجعية دولية للمفاوضات، وحماية دولية للشعب الفلسطيني من بطش قوات الاحتلال.

وإذا كان من المرجح أن يصطدم مشروع القرار بحق النقض (الفيتو) الأميركي، أو أن يتم إجهاضه، قبل أن يصل إلى أروقة مجلس الأمن، كما حدث سابقاً مع المقترحات الفرنسية، فإننا سنفترض، جدلاً، أنه سيتم تمريره، لكي نتمكّن من مناقشة نتائجه الكارثية. إنه يقترح مرجعية دولية للإشراف على المفاوضات بين السلطة والحكومة الإسرائيلية، كما يقترح أن ينضم العرب، أو بعض دولهم، إلى فريق الإشراف على المفاوضات. هنا، تنبغي الإشارة إلى أن المفاوضات كانت تعقد دوماً تحت رعاية أشكال مختلفة من المرجعية الدولية، آخرها الراعي الأميركي، عبر مندوب خاص للرئيس باراك أوباما في المنطقة، والرباعية الدولية التي تضم أميركا وفرنسا وروسيا وبريطانيا، بالإضافة إلى مندوب عن هيئة الأمم المتحدة. هل سيكون الجديد، مثلاً، إضافة الصين الشعبية، باعتبارها العضو الخامس في مجلس الأمن؟ إضافة إلى

ما هو مقترح، وعلى الرغم من تقلص فرص حصوله، ليس إلا بيعاً للوهم، ومحاولة لكسب الوقت، والاستمرار على النهج القديم نفسه

أن الحديث عن السعي إلى توفير شروط ومرجعيات للمفاوضات الجديدة وتوقيتاتها يجعلنا نتساءل عن آليات سير المفاوضات السابقة، والتي نجح الجانب الصهيوني في تغييب القرارات الدولية، والتفاهمات المبدئية السابقة، واستبدالها بعبارة “ما يتفق عليه الطرفان خلال المفاوضات”، لتشكل هذه العبارة مرجعية دولية جديدة، وباباً للتسويف والضغط المستمر على الجانب الفلسطيني، كما أن كل المهل الزمنية التي تم تجديدها سابقاً فشلت وطواها النسيان، فما هو الجديد في هذا الأمر سوى مزيد من إضاعة الوقت والسماح للعدو بإكمال مخططاته لابتلاع الأرض وتهجير الشعب. وسوى التغافل عن أن السبب الحقيقي لفشل كل المفاوضات، لا يتعلق بآليات الإشراف عليها، وإنما بعدم رغبة العدو الصهيوني تقديم أي تنازلات وسعيه للإبقاء على مشروعه الاستيطاني الإحلالي، وتطويره على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. الأخطر من ذلك محاولة إقحام دول عربية لتكون طرفاً في فريق الإشراف على المفاوضات المرتقبة، بما يحمله ذلك من تغيير في موقعها من خصم للاحتلال إلى طرف وسيط بين فلسطين والكيان الصهيوني .

أما موضوع الحماية الدولية، وبافتراض حصولها أيضاً، فإن حضور قوات أو مراقبين دوليين إلى الضفة الغربية، كما الحال عندما تم التوصل إلى اتفاق الخليل (1997)، سوف لن يؤدي إلا إلى منع الاحتكاك بين شباب الانتفاضة والحواجز الصهيونية على مداخل المدن الرئيسية التي يتوقع أن تتمركز فيها، في حين ستبقى كل إجراءات الاحتلال وقيوده قائمة، من دون المس بها، بل سيتم إطلاق يد الاستيطان في المناطق ج التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، وفي المناطق ب التي تشكل 21% من مساحتها، وهي المناطق الخاضعة للسيطرة الصهيونية المباشرة، وفق الاتفاقات القائمة، كما أن الاستيطان والإجراءات الصهيونية ستتسع في ظل غياب أي مقاومة لها، وسينعم المستوطنون بالهدوء والأمان، في حين ستتوقف الاشتباكات على الحواجز القريبة من المدن، وربما تخف أو تتوقف مداهمات جيش الاحتلال داخلها، ولماذا تحدث، أصلاً، ما دام ينعم بالهدوء والأمان، ويستمر في إجراءاته الاستيطانية في القدس و81% من الضفة الغربية.

ما هو مقترح، وعلى الرغم من تقلص فرص حصوله، ليس إلا بيعاً للوهم، ومحاولة لكسب الوقت، والاستمرار على النهج القديم نفسه، وترويج إمكانية الإستمرار في المفاوضات للوصول إلى حل الدولتين. هي إجراءات تستهدف متابعة السير في الدائرة والمراوحة في المكان نفسه، لتبرير استمرار نهجٍ فشل، ومشروعٍ تهاوى وسقط، ووظيفة لنخبةٍ لم يعد لها دور خارج استمرار المفاوضات، وإعاقة أي مشروع وطني فلسطيني جامع، يشمل كل مكونات الشعب الفلسطيني في الشتات والضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق 48، ويعيد صياغة الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني.

بدلاً من بيع الوهم، آن لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولفصائلها ونخبها، أن تحسم أمرها، وأن تنحاز لجماهير شعبها في انتفاضتها المستمرة، وأن تسعى إلى تطويرها، والزج بكل قواها وأجهزتها فيها، وأن تتجرأ على ملاحقة العدو الصهيوني في المحافل الدولية، ودعم حركات المقاطعة، بمختلف أشكالها ضده، وصولاً إلى المزج بين مقاومته في الداخل الفلسطيني وعزله في المجتمعات الدولية.

هذه هي الطريقة الوحيدة لمنع انهيار السلطة، أما استمرار ولوجها في طريق المفاوضات والتنسيق الأمني، والخوف من الاحتلال، وبيع الأوهام عبر التلويح بحلول ومشاريع وهمية قادمة، والتردد في موقفها من الانتفاضة، فهو ما سيعجل بانهيارها، ويحقق نبوءة نتنياهو الذي طلب من حكومته وأجهزته وضع السيناريوهات المناسبة لمعالجة حالة انهيارها.

الآن، وبعد أربعة أشهر من اندلاع الانتفاضة، فإن السلطة الفلسطينية أمام مفترق طرق حاسم، فإما أن تسير باتجاه الشعب وفلسطين، أو تصبح السلطة “الوطنية ” ذكرى مؤلمة من التاريخ، وتتجاوزها سواعد الشباب وعقولهم وقلوبهم التي نبذت اليأس وامتلأت بالأمل وبالقدرة على دحر الاحتلال، من دون قيد أو شرط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى