النظام الرئاسي في تركيا محمد نورالدين
تعتمد تركيا منذ الحرب العالمية الثانية نظاماً سياسياً أساسه التعددية الحزبية البرلمانية. وتتمركز السلطة التنفيذية في الحكومة مجتمعة. والحكومة تتحكم في تشكيلها موازين القوى في البرلمان المنتخب. أما رئيس الجمهورية فينتخب من قبل البرلمان حيث تتحكم عوامل كثيرة اختيارية وقسرية في الوجهة التي يختارها النواب للتصويت.
استمرت تركيا على هذا النحو لمدة نصف قرن تقريباً، ولا تزال حتى الآن. النظام البرلماني التعددي كان يتيح المشاركة في السلطة التنفيذية، أي الحكومة لعدد كبير من الأحزاب ولقيام حكومات ائتلافية من أحزاب منسجمة، أو متناقضة، ومنها الكبير والصغير. لكن منذ ثلاث أو أربع سنوات بدأت تخرج أصوات تقول بتغيير النظام من برلماني إلى رئاسي يحصر الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية. وكان في رأس الداعين إلى تغيير النظام رئيس الحكومة حينها رجب طيب أردوغان الذي كان يتحضر لخوض معركة انتخابات رئاسة الجمهورية في أغسطس/آب 2014.
كان أردوغان من وراء هذا الطرح يهدف إلى أن يكون مركز الثقل في السلطة التنفيذية حيث يكون هو.
انتخابات رئاسة الجمهورية في العام 2014 كانت مفصلاً في الحياة السياسية، إذ للمرة الأولى ينتخب الرئيس من قبل الشعب لا من قبل البرلمان بموجب تعديل دستوري أقر في استفتاء شعبي في العام 2007. وقد أتاح هذا التعديل إخراج انتخاب الرئيس من وصاية المؤسسة العسكرية لتكون بيد الشعب.
هذا العامل دفع أردوغان للقول إن انتخاب رئيس من قبل الشعب يجب أن يترافق مع تعديل في صلاحيات رئيس الجمهورية يتناسب مع المشروعية الشعبية، لا البرلمانية كما كان في السابق، له.
بعد أقل من سنة من انتخاب رئيس للجمهورية كانت الانتخابات النيابية في يونيو/حزيران 2015. وقد أراد أردوغان تلك الانتخابات أن تكون استفتاء ضمنياً على النظام الرئاسي.
وقد نزل أردوغان بنفسه الى المعركة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية لكي يسهم في نيله إما ثلثي المقاعد، أي 367 كافية لتعديل الدستور في البرلمان، وإما 330 مقعداً كافية ليحال أي مقترح لتعديل الدستور إلى استفتاء شعبي.
لكن الرياح جرت بما لا يشتهي أردوغان إذ ليس فقط لم يحصل حزب العدالة والتنمية على هذه الأرقام، بل إنه فشل في الاحتفاظ بمفرده في السلطة بنيله 258 مقعداً، بينما المطلوب للبقاء في السلطة 276 مقعداً أي النصف زائداً واحداً.
كانت انتخابات تاريخية وفرصة مهمة للمعارضة لإطاحة سلطة حزب العدالة والتنمية نهائياً من السلطة. لكن موقف حزب الحركة القومية المعادي للأكراد فوت هذه الفرصة برفضه الدخول في أي حكومة يدعمها حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ولو من خارج الحكومة. فكان الذهاب إلى انتخابات جديدة مبكرة في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
وقد عمل أردوغان، كما بات معروفاً، المستحيل لكي يفوز حزب العدالة والتنمية من جديد بمفرده بالسلطة على الأقل بالنصف زائدا واحداً. وقد نجح أردوغان في ذلك وحقق حزب العدالة والتنمية نتيجة مفاجئة بفوزه ب317 نائباً أنعشت آمال أردوغان بتعديل النظام الرئاسي.
في الحسابات الرقمية يحتاج أردوغان إلى 13 نائباً إضافياً لتحويل التعديل إلى استفتاء شعبي. لكن ذلك ليس متوفراً حتى الآن.
قبل أيام بدأ رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو جولة على زعماء الأحزاب لإعداد دستور جديد يتناول تغييرات كثيرة في الدستور ترضي مطالب كل الأحزاب. لكن العقدة الأساسية بقيت رغبة حزب العدالة والتنمية تضمين الدستور الجديد بندا بالانتقال إلى نظام رئاسي.
وهنا يضغط أردوغان وحزب العدالة والتنمية لتمرير ذلك. وحتى الآن لا تزال أحزاب المعارضة تعارض تغيير النظام البرلماني الى رئاسي. بل إن أردوغان ألمح إلى احتمال إجراء انتخابات نيابية جديدة ثالثة، أملاً في أن يرفع حزب العدالة والتنمية نوابه من 317 إلى 330 نائباً لتحويل التعديل إلى استفتاء شعبي.
المشكلة ليست في إقرار نظام رئاسي، بل في أن مثل هذا النظام لا يتناسب مع التعددية المذهبية والإثنية والإيديولوجية في تركيا. وفي ظل الاستقطاب الحالي فإن إقرار مثل هذا النظام يعني أن الكتلة الإسلامية التي تقف خلف أردوغان ستكون قادرة على التحكم في الرئاسة وبالسلطة السياسية كاملة، ولن تكون هناك فرصة ولو بعيدة للمكونات الأخرى في المجتمع وهي لا تقل عن نصف المجتمع في أن تكون شريكة في السلطة بشكل أو بآخر. وبالتالي ستكون تركيا في حال الانتقال الى نظام رئاسي أمام عودة النظام السلطاني العثماني إلى تركيا تحت عنوان النظام الرئاسي، وما يعني ذلك من طموحات خارجية واضطهادات داخلية.
(الخليج)