شروط روسية وأميركية قد تفجّر «جنيف السوري» محمد بلوط
«جنيف 3» قد يكون في مهب الريح إذا لم يعقد حول طاولة مثلثة. فإما أن تحضر المعارضة السورية بوفدين، كما يشترط الروس، وليس بوفد الرياض الوحيد، كما أصر الأميركيون في جنيف، أو لا تنطلق العملية السياسية.
النعي غير ناجز لموعد الخامس والعشرين من كانون الثاني الحالي. سطران جاءا بصيغة ملتبسة تتجنب الإعلان عن احتضار العملية، في بيان الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا، ليقول عبرهما مع ذلك، إنه «وفريقه سيواصلان بذل أقصى الجهود لإصدار الدعوات إلى المؤتمر، وتأمين أكبر قدر ممكن من شمولية التمثيل المعارض». ذلك أن البيان في هذا العرض الموجز، وفي الجملة الأخيرة منه عن شمولية التمثيل، يمس جوهر الخلاف الذي لم يستطع الثنائي الأميركي ـ الروسي في جنيف تجاوزه بالأمس.
ويبدو الوسيط الدولي في سباق مع الوقت، خصوصاً أن احترام موعد 25 الشهر الحالي لجمع المعارضة والحكومة السورية، ليس موعداً شكلياً، وإنما موعد نص عليه القرار 2254. وكان دي ميستورا قد وعد دمشق، بأن يكشف لها عن لائحة الوفد المعارض، ويوجه الدعوات لحضور المؤتمر السبت المقبل، كموعد أخير، وهو ما لن يستطيع الوفاء به.
ولم يتوصل نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف إلى إقناع مساعدة وزير الخارجية الأميركي آن باترسون بتوسيع، أو حتى تعديل الوفد الذي سمّته السعودية، عبر مؤتمر الرياض، ليتحدث باسم سوريا المعارضة، ليشمل تيارات وأجنحة معارضة أقصيت عن الرياض بطلب تركي فيما حضرت «أحرار الشام» و «جيش الإسلام»، كـ «حزب الاتحاد الديموقراطي» وزعيمه صالح محمد مسلم، أو شخصيات غابت عن المؤتمر، كرئيس تيار «قمح» هيثم مناع، أو الأمين العام في «حزب الإرادة الشعبية» قدري جميل.
ولم تنجح اجتماعات سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية مساءً في التوصل إلى تسوية تفتح الطريق نحو إطلاق الدعوات للحكومة السورية، ووفد معارض سوري إلى جنيف. وبحسب مصادر مطلعة فقد أبلغ دي ميستورا المندوبين أنه لن يستطيع توجيه الدعوات إلى حضور المؤتمر في الخامس والعشرين من الشهر الحالي، في ظل المأزق الحالي، واستمرار الخلاف على تشكيلة الوفد المعارض.
الأميركيون تمسكوا حتى النهاية بعدم إجراء أي تعديل أو ضم أو توسيع في الوفد «السعودي» السوري إلى جنيف. الحرص الأميركي على التمسك بوفد الرياض، ذهب إلى التضحية بالحليف الكردي، على الأقل في المرحلة الأولى من المفاوضات، على ما قالته مصادر سورية مطلعة، حيث أبلغت باترسون صالح مسلم محمد أنه لن يكون حاضراً في الموعد الأول للمفاوضات في 25 الشهر الحالي، ولكن تعديلات قد تطرأ على الوفد التفاوضي في مرحلة لاحقة، وأن الاجتماع الحالي قد لا يكون سوى اجتماع شكلي أو بروتوكولي لإطلاق العملية السياسية، لنرى في ما بعد ما يمكن عمله من تعديل أو تغيير.
الأكراد الذين يخرجون مستائين من اللقاء مع الأميركيين، قالت مصادر مقربة منهم إنهم أبلغوا الجانب الأميركي أنهم لن يلتزموا بأي اتفاق يصدر عن أي اجتماع لا مقعد لهم فيه، وإذا لم يشاركوا في صياغة أي تسوية فهم يعتبرون أنفسهم في حل من أي التزام تجاه ما سيصدر من جنيف.
الروس الذين التقوا، كما الأميركيون تباعاً، هيثم مناع وصالح مسلم محمد والمعارض سمير عيطة، كانوا يختبرون طريقاً آخر للمفاوضات. الروس عرضوا منذ البداية أفكاراً تتجاوز الرياض، وطاولة مثلثة تضم وفدين من المعارضة، وكانوا يحملون قائمة بـ15 اسماً من معارضين، جلهم حضر اجتماعات موسكو. ولأنهم يعرفون مسبقاً التمسك الأميركي بوفد الرياض، عرضوا على من التقوهم تشكيل وفد ثالث. خمسة أسماء برزت في اللائحة الروسية، هي قدري جميل، وهيثم مناع، وسمير عيطة، وصالح مسلم محمد، ورئيسة «حركة المجتمع التعددي» رندا قسيس، التي غابت عن جنيف، لكنها تلقت اتصالاً من مساعد وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف لدعم مشاركتها في الوفد السوري المعارض الثاني.
وقال أحد المشاركين من المعارضين في اللقاءات مع غاتيلوف إن المسؤول الروسي ركز، منذ البداية، على بحث آليات المشاركة بوفدين، واعتبر أن عملية ضم أسماء إضافية إلى وفد «الرياض» ستخلق من المشاكل أكثر مما تحل، وستؤدي إلى إرباك العملية وتعقيدها، بسبب صعوبة التفاهم مع «الائتلافيين»، ووجود نقاط اختلاف كثيرة بين الوفدين، كما يتصورهما الروس، لا سيما مسألة تمثيل المجموعات المسلحة، وعدم اقتناع مجموعات كثيرة في الرياض بالحل السياسي، فضلاً عن قناعة روسية بأن انفراد الرياض بالتمثيل سيؤدي إلى تكرار فشل «جنيف 2».
وقال المعارض السوري إن الروس يعتقدون أنه ينبغي أن يتمتع الوفدان المعارضان بحقوق متساوية في التمثيل من حيث العدد، وفي النقاش، وفي تقديم الأوراق. ونقل المعارض السوري عن غاتيلوف تأكيده أن موعد 25 كانون الثاني سيجري احترامه.
وكانت فصائل مسلحة معارضة، من بينها «جيش الإسلام» و «أحرار الشام»، وهي فصائل تشارك في الهيئة التفاوضية العليا لمؤتمر الرياض، قد اختارت لحظة التفاوض الأميركي – الروسي، لتعلن رفضها المشاركة في أي مفاوضات قبل أن يتم تأمين الإمدادات إلى المناطق المحاصرة، ووقف الهجمات على المدنيين. وتقدم هذه المجموعات قراءة مماثلة للهيئة التفاوضية نفسها التي تعتقد أنه لا بد أن تقوم الحكومة السورية بتقديم بعض إجراءات بناء الثقة، كإطلاق المعتقلين، وفتح طرق الإمداد، فيما ينص البندان 12 و13 من قرار مجلس الأمن على خطوات مسبقة من جميع الأطراف، تشمل إطلاق آلاف المختطفين بيد المجموعات المسلحة، لا سيما «جيش الإسلام»، وفتح طرق الإمداد إلى المناطق كافة، بما فيها تلك التي تحاصرها المعارضة.
وجلي أن الروس الذين أبدوا مرونة كبيرة في «جنيف 2» قبل عامين، عندما تركوا للأميركيين أمر اختيار الوفد المفاوض، فاقتصر على «الائتلافيين» وحدهم من دون غيرهم، ليسوا بوارد الدخول في مقايضة مشابهة، قضت آنذاك بترك المعارضة للأميركيين، والحكومة السورية لهم. إذ يفرض الانخراط الروسي، المدفوع ميدانياً، عبر المشاركة في القتال والإسناد الجوي، إلى الإمساك بمفاصل العملية السياسية، وترجمة التقدم الميداني الذي ترفده عمليات الإسناد الجوي الروسي للجيش السوري، في المسار السياسي. كما أنه من غير المقبول روسياً أن تقدم هي مع الجيش السوري، الجهد الجوي والقتالي لتدمير الجماعات الإرهابية، وان تحصد الولايات المتحدة في المقابل، وحدها ثمار هذا الجهد، وأن تمسك بالقرار السياسي.
وواضح أن الأميركيين هم من يمسك بالقرار السياسي، وأن التعنت السعودي في الانفراد بتمثيل المعارضة، ليس سوى ذريعة يستخدمها الأميركيون، للاستحواذ على نصف طاولة المفاوضات، ودفع الروس مرة ثانية إلى التحدث باسم دمشق فحسب.
وبات الروس، بعد الانخراط ميدانياً، وتغيير وجهة الأحداث في سوريا لمصلحة دمشق، قادرين على التحدث أيضاً إلى أجنحة من المعارضة السورية، وإجلاسها حول طاولة المفاوضات. ويبدو أن التفاهم الروسي – الأميركي قد عاش في الساعات الأخيرة محنة واضحة، عادت فيها الأمور إلى المربع الأول، بعيداً عن أولوية مكافحة الإرهاب، التي طفت على السطح مؤقتاً كما يبدو، لتتقدم عليها المصالح الجيوإستراتيجية، لا سيما الرغبة الأميركية بمنع الروس من التقدم سياسياً بموازاة التقدم ميدانياً.
ومن دون عودة الوزيرين الروسي سيرغي لافروف والأميركي جون كيري، الذي سيلتقي في لندن اليوم نظيره السعودي عادل الجبير، إلى التشاور مجدداً، قد لا يمكن الحديث عن موعد الخامس والعشرين من هذا الشهر كموعد نهائي، وقد لا تتجدد الفرصة للذهاب لإطلاق العملية السياسية.
(السفير)