حرب التحرير الوطنية السورية
غالب قنديل
منذ انطلاق الحملة الجوية الروسية في سورية ينتقل الجيش العربي السوري إلى عمل هجومي واسع النطاق يشمل جميع جبهات القتال ويتقدم وفقا لخطة علمية مدروسة بدون ضجيج وطبل وزمر ويحقق إنجازات مهمة في الميدان بالشراكة مع المقاومة ووحدات الدفاع الوطني والقوى الشعبية المقاتلة .
أولا تلاحقت خلال الأشهر الماضية التغييرات العسكرية من خلال تحرير العديد من المناطق التي كانت تحتلها الجماعات المسلحة وعصابات التكفير الإرهابية متعددة الجنسيات من ريف حلب الجنوبي وصولا إلى ريف اللاذقية وريفي حماه وحمص وريف دمشق ومحافظات درعا ودير الزور والسويداء وعلى جبهة الجولان وقد جاء تحرير بلدة سلمى المحتلة منذ ثلاث سنوات والتي أعلنت فيها اول إمارة تكفيرية النقلة النوعية التي توجت هذا التراكم في تغييرات الميدان بشكل يوضح وجود خطة وطنية شاملة لاستعادة السيادة الوطنية السورية على جميع المناطق التي اجتاحها العدوان الاستعماري بواسطة الجماعات العميلة والإرهابية التي حظيت بدعم اميركي مباشر وباحتضان سياسي وعسكري ومالي من مثلث العدوان : تركيا وقطر والسعودية .
تتواضع القيادة السياسية والعسكرية السورية في عرض الوقائع وتكتفي ببيانات عن سير العمليات موضعيا من غير مبالغة ومن دون ضجيج وهي نجحت خلال الأشهر القليلة الماضية في ترسيخ الثقة الشعبية بقدرة الجيش والدولة الوطنية وبمصداقية الحلفاء الذين ساهموا في دعم جهودها لتغيير التوازن العسكري دفاعا عن الاستقلال السوري وعن وحدة الشعب والتراب الوطني .
ثانيا إن مبادرة روسيا وإيران وحزب الله لتطوير درجة المشاركة مع الجيش العربي السوري في القتال ضد الإرهاب على الصعيدين الاستشاري والقتالي بما يتضمنه من مساهمات تقنية ومن خبرات عسكرية في التخطيط والتنفيذ وما أدخله الحليف الروسي من أسلحة حديثة ومتطورة هي عوامل أدت مجتمعة إلى هذا التحول الذي ما كان ليحدث لولا كفاءة الجيش العربي السوري بضباطه وجنوده التي اتاحت التكيف مع بيئة عسكرية مركبة ومعقدة واستيعاب التقنيات الحديثة ونجحت في تامين التنسيق اللوجستي والعملياتي بين قوى مقاتلة تحمل عقائد قتالية متنوعة وهذا مايؤسس لتعزيز قدرات هذا الجيش الذي سجل صمودا أسطوريا رغم كل ما قيل وتردد وما استهدف به من حملات.
ظهرت معالم الإنجاز في مستويات الحركة العسكرية الجوية والبرية بحيث أمنت قيادة العمليات العسكرية شروط الانتصار والتقدم على جميع الجبهات وفي امتداد جغرافي واسع مما يبرز مهارة قيادية عالية في وضع الخطط التي تم رسمها خلال أشهر من التحضير والإعداد العسكري والأمني الذي سبق زيارة الرئيس الدكتور بشار الأسد إلى موسكو واتفاقه مع الرئيس فلاديمير بوتين على فرض تغيير استراتيجي تم التفاهم عليه مع القيادة الإيرانية وقيادة حزب الله وجرى توفير مستلزماته العسكرية وتم التمهيد السياسي له بعناية وتكتم وفرا فرصة المفاجأة التي شلت حلف العدوان على سورية وأفقدته القدرة الهجومية وأوضح التعبيرات عن ذلك النجاح ردع الدور التركي وتحجيمه وشل الجبهة الجنوبية بجناحيها الأردني والإسرائيلي.
ثالثا الحقيقة التي ينبغي الاعتراف بها هي ان انخراط حلفاء سورية إلى جانبها في وجه العدوان تم على مراحل وتأخر مسافات زمنية عن التدخلات الفاجرة امنيا وعسكريا وسياسيا التي مارستها الولايات المتحدة وحكومات الناتو وحكومات تركيا والسعودية وقطر ومعهم إسرائيل فقد ظلت سورية صامدة بقواها الذاتية لفترة غير قصيرة في وجه الحرب الكونية ولم يكن حلفاؤها قد تجاوزوا حدود الدعم السياسي والاقتصادي بينما ينبغي الاعتراف بأن حزب الله كان اول المبادرين بحكم القرب الجغرافي ووحدة المعركة الوجودية ضد الإرهاب في المنطقة وبفضل استشرافه الاستراتيجي لمعانيها وأخطارها على لبنان ومحور المقاومة.
ولد الانخراط الروسي تداعيات نوعية استراتيجية وسياسية تمكنت القيادة السورية من هضمها واستثمار نتائجها والبناء عليها ويرتسم بفضلها خط بياني لتغييرات ميدانية كبرى قادمة بفضل جمع الدولة الوطنية بين خطوط متعددة لإدارة الصراع بذكاء استراتيجي يؤمن الإخلال التدريجي بالتوازنات فهي تعمل بدقة متناهية في المسار السياسي متمسكة بالاستقلال الوطني وبخيار الدولة الوطنية العلمانية وبالاحتكام للإرادة الشعبية بينما تواصل السير في خط المصالحات التي تتقدم في جميع المناطق كلما فرض الجيش السوري توازنا عسكريا جديدا يتيح للدولة الوطنية استرداد آلاف جديدة من المواطنين الذين تورطوا في حمل السلاح خلف مرتزقة العدوان وشيوخ التكفير وتتحول تلك العملية إلى فرصة لمضاعفة حجم الرديف الشعبي المقاتل إلى جانب الجيش وهو ما يعطي زخما جديدا للتحرك نحو تحرير المزيد من المناطق السورية ومن الضروي التنبه إلى أن هذا المسار سيقتضي مزيدا من الوقت والجهود والتضحيات وهو ما ينبغي التحضر على أساسه بعيدا عن المبالغات.