ما وراء الجنون السعودي: الدكتور السيد شفقت حسين شيرازي
تعريب : الشيخ محمد اشفاق
يدرك العلماء والمفكرون والمثقفون من مختلف الطوائف الإسلامية والتيارات السياسية والفكرية أن حل المشاكل على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي ، لا يكون باستخدام القوة وقمع الآخرين، وأن ظاهرة إقصاء الآخر لا تجلب الحلول، بل إنما تؤدي إلى مزيد من المشاكل والمتاعب وذلك لأن حل المشاكل على مختلف الصعد والمجالات إنما يكون بتنفيذ العدالة الاجتماعية والمساواة والتسليم بوجود الآخر.
ومن المعلوم – كما يشهد عليه التاريخ – أن الحروب الطائفية لم تكن – ولا تزال – في مصلحة أحد مهما كان انتماءه، فانطلاقا من هذا المبدأ ينبغي على العلماء من كافة الطوائف الإسلامية والتيارات الفكرية أن ينشروا ثقافة الأخوة والوحدة والألفة، وأن يقفوا في مقابل كل من يدعو إلى التطرف وحل المشاكل بحمل السلاح، أو يرفض وجود الآخر.
وجود الطائفة الشيعية والطائفة السنية وجود قديم ضارب في التاريخ، وقد ظهرت هاتان الطائفتان قبل وجود العائلة السعودية الحاكمة في أرض الحجاز، وقبل انفجار الثورة الإسلامية في إيران، وليس وجود الخلافات العقائدية والمذهبية بين هاتين الطائفتين وحلها مربوطا بهاتين الحكومتين، ومن هنا ينبغي على جميع المسلمين من أية طائفة كانت أن لا يرفض الطرف الآخر، بل علينا جميعا أن يحترم بعضنا بعضا، و ننظر إلى الاختلافات فيما بيننا بكل احترام وتقدير وإيجابية، وأن نقوم بحل هذه الاختلافات الفكرية على طاولة الحوار والمفاوضات البناءة والمنطقية وبالموعظة الحسنة كما هو منطق القرآن الكريم، وأن لا نسلم أجيالنا القادمة إلى ويلات الحرب وآثارها المدمرة والوخيمة،
مشاكل المملكة العربية السعودية وأسبابها.
نلفت انتباه القراء الأعزاء إلى بعض المشاكل التي تعاني منها السعودية في المجالات المختلفة، ولا سيما ما يتعلق بهزائمها في المنطقة بسبب سياساتها غير المنطقية واللاإنسانية. ومنها :
أولاً – أصبحت الجمهورية الإسلامية في إيران تلعب دورا مهما وأساسا في حل مشاكل المنطقة على المستوى الدولي، وقد زاد نفوذها بين مختلف شعوب العالم ولا سيما شعوب المنطقة، وهذا لأجل ما تتخذه الجمهورية الإسلامية من السياسات التي تخدم الإنسانية بدون أي تمييز ديني أو مذهبي أو عنصري، وتجعل مقاومة الكيان الصهيوني الغاصب أساسا في كل قرارتها على كافة الصعد.
ثانياً – لعبت الجمهورية الإسلامية في إيران دورا مهما في حل الأزمة السورية حلا سياسيا شاملاً، حيث نعت مشروع الإرهابيين الذي يهدف إلى إسقاط الحكومة الشرعية في سوريا، وقلبت المعادلات في الميدان السوري بالتعاون مع حلفاءها من روسيا وحزب الله والآخرين، وهذا ما لا تروقه المملكة العربية السعودية بأي حال من الأحوال؛ لأنها تريد إسقاط الحكومة السورية بقوة الإرهابين الذين جاءت بهم من كل أنحاء العالم، وقتل زهران علوش قائد ما يسمى بـ ” جيش الإسلام ” في الغوطة الشرقية من ريف دمشق أدى إلى زيادة مشاكل السعودية على الساحة السورية فيما يتعلق بمحاور القتال والحرب في سوريا.
ثالثاً – لم تحصل المملكة العربية السعودية على أي هدف من الأهداف التي وضعها في حربها الظالمة والمدمرة على الشعب اليمني المسلم المظلوم الذي أراد أن يخرج من تبعية السعودية إلى سيادة قرارها واستقلال سياستها، فبعد العدوان الظالم اللاإنساني المستمر من عشرة شهور أعلن المتحدث باسم ” عاصمة الحزم ” أحمد العسيري أن الحوثيين عبروا الحدود السعودية ودخلوا في العمق السعودي أكثر من ألف مرة.
رابعاً – بدأ المجتمع الدولي يطالب السعودية بقطع دعم وتمويل المجموعات الإرهابية المسلحة؛ لأن شعوب العالم بدأت تدرك أن الإرهاب قد انتشر في مختلف أنحاء العالم بسبب هذا الدعم والتمويل السعودي للإرهابيين.
خامساً – أخذ الاقتصاد الإيراني طريقه إلى مزيد من التطور والنمو والازدهار بعد الاتفاق النووي مع الدول الستة، وهذا ما نراه في عدة الزيارات من المسؤولين الاقتصاديين الغربيين على المستوى الرفيع لطهران. فالاقتصاد العالمي فتح أبوابه على مصرعيه للاستثمارات والمعاهدات الاقتصادية الضخمة.
سادساً – أصبح التحالف الروسي الإيراني أكثر تماسكاً وصلابة وقوة من أي وقت مضى، لا سيما في التنسيق لضرب الإرهاب على الساحة السورية، وكما وصلت المعاهدات الاقتصادية بين البلدين حوالي 40 مليار دولار إلى 70 مليار دولار.
سابعاً – تطور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجال صنع الصواريخ البالستية لا يخفى على أحد، حيث أصبحت الجمهورية الإسلامية قادرة على مواجهة أية تهديد خارجي من أي مصدر كان،
ثامناً – إذا رفعت العقوبات الظالمة المستمرة من العقود عن الشعب الإيراني يمكن إنتاج النفط أكثر مما تنتجه الآن.
رد الفعل السعودي تجاه هذه الإنجازات الإيرانية.
أولاً – حاولت المملكة العربية السعودية منع الجمهورية الإسلامية من أي تقدم أو إنجاز في المجالات كلها، ومن تلك المحاولة الفاشلة، أنها سعت غيرة مرة لجذب القيادة الروسية، ووضعها في خانة أعداء الحكومة السورية المنتخبة من قبل الشعب السوري، من خلال تقديم الفرص والمواقع للاستثمارات الضخمة في مختلف المجالات، غير أن كل محاولاتها باءت بالفشل، وبالعكس تماما ازدادت القناعة الروسية بأن ما جرى ويجري في سوريا ليست ثورة، ولا مطالبة بالحقوق الشرعية، بل إن ما يحصل في سوريا يراد منها إسقاط الدوري السوري في المنطقة، وإخراج سورية من المعادلات التي تفرض نفسها على الساحة الإقليمية، ومن هنا دعمت روسيا الحكومة الشرعية السورية في المحافل الدولية على الصعيد السياسي، كما بدأت تشارك مباشرة في ضرب الإرهاب براً وبحراً وجواً منذ عدة شهور.
ثانياً – حاولت السعودية – من خلال تقديم مليارات دولارات – التأثير على القرار الفرنسي لتستفيد منها في المحافل الدولية للنيل من الحكومة السورية الشرعية وإسقاطها، غير أن أول من زار الجمهورية الإسلامية للتنسيق معها في المجال الاقتصادي هو وزير الخارجية الفرنسية، ومن جهة ثانية بدأت الحكومة الفرنسية في الآونة الأخرة تتوجه لدعم الحكومة السورية والجيش السوري لضرب الإرهاب، بعد ما عانت من الهجمات الإرهابية في قلب باريس، وأخذت تضرب الإرهاب في شمال سوريا بغاراتها الجوية.
ثالثاً – وضعت المملكة العربية السعودية جماعة الإخوان المسلمين على لائحة الإرهاب من جهة، ومن جهة أخرى تحاول أن تقيم العلاقات القوية والمتينة مع حكومة أردغان ذات التوجه الإخواني، وكلنا نعرف أن حكومة أردغان تخالف بشدة حكومة السيسي في مصر والتي تدعمها السعودية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن السعودية تعاني من التضاد والتناقض في السياسية الخارجية.
رابعاً – منذ آذار الماضي شنت السعودية حرب ظالمة ولا إنسانية على الشعب اليمني المظلوم، وسمتها ” عاصمة الحزم ” وتوقعت أنها ستحسم أمرها في اليمن من خلال الأسابيع، غير أنها لم تفلح شيئا، بل تلقت هزيمة نكراء على أيدي الشعب اليمني و الجيش والفصائل المقاومة وعلى رأسهم حركة أنصار الله.
خامساً – شكلت العائلة الحاكمة في مملكة الحجاز تحالفا عسكريا لضرب الإرهاب، سمته ” التحالف السني ” المتكون من أربع وثلاثين دولة ذات أغلبية سنية، وأرادت من خلال هذا التشكيل اللعب على الوتر الطائفي، والإضافة في حدة التوتر بين الطوائف الإسلامية، وربما تصورت وتوقعت السعودية أنها ستقضي على الطائفة الشيعية الكريمة من خلال تشكيل هذا التحالف الطائفي، غير أن هذا لن يحصل بإذن الله تعالى بسبب وجود العقلاء والمعتدلين في كلا الطرفين.
مساعي المجتمع الدولي
انعقدت المؤتمرات العديدة تحت رعاية المجتمع الدولي للبحث في الحل السياسي للأزمة السورية، ومن تلك المحاولات المتكررة :
أولا – أن روسيا دعت كلا من الحكومة السورية وأطراف المعارضة إلى المؤتمر في موسكو لتقريب بين الآراء والتوجهات والحلول المفترضة.
ثانياً – لعبت الولايات المتحدة الأمريكية – بعد فشلها الذريع في الرهان العسكري لإسقاط الحكومة السورية – مع شركائها الغربيين دوراً هاماً في البحث للحل السياسي في سوريا حيث راعت المؤتمرات العديدة ضمن السياق نفسه
ثالثا – تأتي المحاولات من قبل دول جوار سوريا، وما تقوم به الأمم المتحدة في ضمن البحث عن الحل السياسي للأزمة السورية.
رابعاً – من المحاولات التي بذلت في هذا المجال ما قامت به الجمهورية الإسلامية في إيران طلية الأزمة السورية، حيث قدمت رؤيتها للحل السياسي، ولاسيما في المفاوضات التي تمت في فيينا بين اللاعبين الدوليين في فينا، وقد أكدت هذه المفاوضات على أنه لا يحق لأحد أن يقرر مستقبل النظام السياسي في سوريا، ومستقبل الرئيس الأسد إلا الشعب السوري، غير أن السعودية لم تعجبه نتائج هذه المفاوضات، لأنها مصرة على إسقاط الحكومة السورية الشرعية المنتخبة من قبل أغلبية الشعب السوري، بأي ثمن كان، ومن هنا فدعت الجماعات المسلحة وبعض الأطراف المعارضة إلى رياض لعرقلة الحل السياسي الذي يهدف إليه الجميع إلا السعودية ومن لف لفها.
خامساً – تم الاتفاق على الهدنة المشروطة بين أطراف الصراع في اليمن بعد المحاولات والضغوط على السعودية من قبل المجتمع الدولي، لإيصال المساعدات الإنسانية والمواد التموينية والغذائية للشعب اليمني المظلوم الذي يعاني أساساً من ويلات الفقر والنقص في المواد الغذائية والأدوية، لكن السعودية بسبب عنادها وحقدها ومن باب الانتقام من هذا الشعب خرقت الهدنة غير مرة بغاراتها الجوية التي لا تفرق بين أهداف مدنية وعسكرية.
سادساً – كان المجتمع الدولي مشغولا في كيفية احتواء الأزمة السورية وإنهاء لأنها سببت انتشار الإرهاب في أكثر من منطقة في العالم، ولئلا تتطور إلى الحرب العالمية الثالثة، خصوصا بعد التدخل الروسي المباشر لضرب الإرهاب، وإذا بالسعودية قد شنت حربا جديدة، وفتحت جرحا آخر.
الظروف الحرجة والحساسة والردود المتسرعة وغير المنطقية
إن تم التأمل بنظرة الإنصاف إلى ما يجري في سوريا وغيرها من العراق واليمن وليبيا والبحرين وإلى ما هنالك، نجد أن الإرهاب التكفيري الوهابي يزداد انتشارا يوما بعد يوم، ويوفر لنفسه كل أنواع الإمكانيات والوسائل والأدوات لتدمير المنطقة وقتل الشعوب، ونعرف أنه جيء بالإرهابيين إلى سوريا والعراق من كل أنحاء العالم، وقد تم هذا الأمر بالدعم المعلن من المملكة العربية السعودية، حيث وفرت لها كل أنواع الدعم وسخرت لها وسائل الإعلام التابعة لها، ومن المؤسف أن حلفاء المملكة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية أيدتها في هذا الدعم.
وفي مقابل هذا التطور الخطير على جميع شعوب المنطقة وعلى جميع الطوائف الإسلامية والمسيحية وقفت الجمهورية الإسلامية في إيران مع الحكومة السورية الشرعية المنتخبة حيث دعمتها في المجال الاقتصادي والسياسي وعلى المستوى العسكري المتمثل في إرسال المستشارين العسكرين لدعم الجيش السوري، وسعت مع حلفاء الدوليين من روسيا والصين والدول الأخرى أن يوجه مسار الأزمة إلى طاولة الحل حلا سياسياً، وحينما بدأ الحل السياسي يلوح في الأفق عارضته المملكة العربية السعودية بشدة، لأنها مصرة كما قلنا على إسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد، ومن ناحية أخرى قتل أكثر من أربعة آلاف حجاج ومن بينهم كان العدد الأكبر من الحجاج الإيرانيين بسبب التدافع الذي حصل بسبب سوء انتظام الحكومة السعودية، وهذا دل بأنها لا تملك الصلاحية لإدارة موسم الحج، ورغم ذلك لم تتقدم بالاعتذار للأمة الإسلامية ولو بحرف.
فكانت الأمة الإسلامية تحاول أن تحتوي هذه الأزمة والجرح الأليم مما حدث في منى، وإذا بالسعودية ارتكبت الجريمة النكراء المتمثلة في قتل وتنفيذ حكم الإعدام في حق الشيخ المقام سماحة العلامة النمر باقر النمر، وهذا جعل الجو العام في المنطقة أكثر توترا وحساسية والذي كان متوترا وحساسا من الأساس، وأرادت من خلال هذا الجريمة البشعة مزيدا من التمزق والتفرق، والنيل من الوحدة الإسلامية.
النتائج المتوقعة
من الواضح جدا أن ما يدعو إليه الدين الوهابي التكفيري الذي تدعمه السعودية ليس مما جاء به النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن الكريم من رسالة سمحاء لجميع البشر والذي يجعل قتل الإنسان الواحد بمثابة قتل الإنسانية جمعاء، فهذا الدين التكفيري من صنع العائلة الحاكمة في مملكة الحجاز لفرض سيطرتها والحصول على الأهداف الشنيعة واللاإنسانية، وذلك أن هذا الفكر التكفيري يقصي الآخر، ويجوز قتل كل من خالفه في التوجه، ويضرب الوحدة الإسلامية، ويرتكب كل أنواع الجرائم والقمع والقتل بحق الإنسان والإنسانية، وهذا ليس من الإسلام أبداً. وهذا الفكر دائما حاول النيل من الوحدة الإسلامية بين الشيعة والسنة بدعم السعودية السخي، ومن المعلوم أن كلا من الشيعة والسنة بمثابة اليدين للجسد الواحد رغم الاختلافات العقائدية والمذهبية، وعاشوا طوال التاريخ بكل الحب والاحترام المتبادل والألفة، ومن هنا نرى أن كلتا الطائفتين رفضتا هذا التوجه اللاإنساني، لأنهما عانتا من ويلات هذا التوجه، وما أصدره هذا التوجه من الفتاوى عانى منها جميع شعوب العالم ولا سيما شعوب المنطقة.
انطلاقا من هذا العرض الموجز لجرائم السعودية نرى أن علماء أهل السنة ومثقفوها لا يرون خيرا في العائلة الحاكمة في مملكة الحجاز ويتبرؤون مما تقوم به هذه الحكومة، ويرون في المسلمين الشيعة الإخوة الكرام والأعزاء، وكما أفتى فقهاء الشيعة أن أهل السنة أخوان الشيعة وأنفسهم ولا يجوز النيل من رموزهم فضلا عن نهب أموالهم وقتلهم وهتك أعراضهم، لا سمح الله. فهذا يدل على أن من ينال من الوحدة الإسلامية ويحاول التمزق في صفوف المسلمين، ويفتي بقتل المسلمين ويكفرهم هو الدين الوهابي التكفيري المدعوم من قبل الحكومة السعودية.
التماس ومطالبة
يظهر مما تقوم به السعودية من الردود المتسرعة وغير المنطقية بعد قتل سماحة العلامة الشيخ نمر أنها قررت شن الحرب على الجمهورية الإسلامية في إيران بدون أي مبرر، ولكي تغطي على جرائمها وهزائمها التي تلقت في المجالات المختلفة بسبب سياستها المتناقضة والمتضادة واللاإنسانية، وكلنا يدرك أن آثار هذه الحرب لا تبقى في مجال حدود هاتين الدولتين، بل ستشمل العالم بأكمله، والتي سوف ستؤدي إلى الدمار الشامل والويلات لكل شعوب العالم.
ومن هنا يتعين على المجتمع الدولي وبلدان المنطقة التي لها تأثير وعلاقات جيدة مع كلتا الدولتين أن تقدم حلولا لمنع هذا الحرب ولإنهاء التوتر القائم بينهما من خلال المفاوضات والحل الدبلوماسي، ويجب على الدول العربية أن تلعب دورا أساسا وهاما ووسطيا لمنع الحرب بدل أن تكون جزءا من التحالف السعودي ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، وأن تقدم حلولا منطقية لحل الأزمات في سوريا والعراق والبحرين والبلدان الأخرى، ولا سيما تركيا وباكستان حيث تمتع هاتان الدولتان بعلاقات جيدة مع كلا الطرفين، فيمكن لهما أن تؤديا دورا هاما في إنها هذا التوتر.
– الكاتب هو أمين السر العالم لمجلس الوحدة الإسلامية في أفغانستان