جنيف سورية وفكّ العقوبات عن إيران: ناصر قنديل
– لا يمكن لأحد أن يصدّق ما يظهره السعوديون من برود خارجي تجاه مواقف رفع العتب التي يبادرهم بها حكام الدول الخليجية ، تجاه الدعوات التي أطلقوها ودفعوا أثماناً للتفاعل معها لقطع العلاقات الديبلوماسية مع إيران، فالبديهي أنّ قيام السعوديين بقطع علاقاتهم مع إيران كان برأيهم مدخلاً لكرة ثلج ستتعاظم وصولاً إلى حدّ فرض العزلة الديبلوماسية على طهران، وإعادتها إلى مربّع ما قبل التوقيع على التفاهم حول ملفها النووي، حيث يؤكد قادة خليجيون أنّ حكوماتهم سمعت لوماً وعتباً وتقريعاً من السعودية لاكتفائها ببيان تنديد بما شهدته البعثة الديبلوماسية السعودية في طهران، وجرت مطالبتهم بوضوح بقطع العلاقات ومساومتهم على البدائل عندما أصرّوا على عدم مجاراة الرياض بدعوتها، فمنهم مَن ذهب لتخفيض مستوى التمثيل، ومنهم مَن استدعى السفير الإيراني لإبلاغه الاحتجاج، ومنهم مَن استدعى سفيره من طهران للتشاور، وهذه الخطوات المسمّاة ديبلوماسياً بإجراءات رفع العتب، ليست بالتأكيد ما كانت تريده الرياض من حكومات طالما كانت تعتبرها، حديقتها الخلفية، ولا يعدّ تجاوب دول متسوّلة لموازنتها أو لأمن حكامها كالسودان أو جيبوتي أو البحرين، إلا التعبير الأدقّ عن الوزن الحقيقي للسعودية بعد تربّعها لثلاثة عقود على عرش الزعامة العربية.
– لم يكن يتخيّل السعوديون أنّ حصاد مالهم وحروبهم وديبلوماسيتهم سيكون هزيلاً على المستوى الخليجي إلى هذا الحدّ، وعلى المستوى العربي إلى حدّ مهين مثله، لكن المفاجئ أكثر لهم كان الموقف الذي صدر عن كلّ من وزراء خارجية أميركا وتركيا وباكستان، والحساب السعودي كان في أقلّ تقدير إعلان التضامن، والاكتفاء بالتنديد بما جرى في طهران ومشهد، دون التطرّق إلى إعدام الشيخ نمر النمر من موقع الإدانة أو عدم الرضا، وبالتأكيد لم يخطر في خيال حكام الرياض أن تعلن حكومات يعتبرونها سنداً خلفياً لهم، أنها تنظر بانزعاج إلى توتر العلاقة بين دولتين صديقتين، وأنها مستعدّة للوساطة بينهما، فتصير إيران المعتبَرَة عدواً تريد السعودية تعبئة الجهود والمناخات ضدّه، في مكانة مساوية للسعودية التي تنظر إلى نفسها كابن مدلل في واشنطن وأب له مهابته لدى حكام تركيا وباكستان.
– لم يمرّ وقت طويل ليظهر الهدف الحقيقي للسعودية من الحملة، التي قادتها ضدّ إيران، عندما ظهرت في أروقة منظمة المؤتمر الإسلامي دعوة سعودية لطرد إيران، هي التي فسّرت الموقفين التركي والباكستاني، في رسالة رفض للمشاركة في مسار، لا تريد واشنطن أن تسمح للرياض بفرضه عليها، مسار العودة إلى ما قبل التفاهم حول الملف النووي مع إيران وما قبل القرار الأممي حول سورية، ولذلك كان الموقف الأميركي المعلَن تباعاً، لا تأثير للتوتر السعودي الإيراني على موعد جنيف الخاص بسورية، والإجراءات الخاصة بتطبيق التفاهم حول الملف النووي الإيراني ستخرج إلى النور تباعاً.
– لم تفلح السعودية بحفظ مهابتها كصورة قديمة في الذاكرة، فأصرّت على تظهير صورتها الجديدة لينكشف الهزال الذي يصيب مكانتها، والأهمّ أنها لم تفلح في وقف مسارات التفاهمات التي جمعت واشنطن وإيران حول الملف النووي وستفضي خلال أيام إلى تدفق مئة وخمسين مليار دولار إلى الخزينة الإيرانية، ولكنها فوق ذلك لم تفلح في إعادة مناقشة ملف التنظيمات الإرهابية في سورية وإطاحة ما اتفق عليه الروس والأميركيون بصدد الجماعات المسلحة التي ترعاها السعودية باعتبارها إرهاباً، وفي مقدّمتها جيش زهران علوش الذي بكته السعودية واعتبرته معارضاً سلمياً يوم قتل وفي المقدّمة لم تفلح السعودية في إعادة فتح النقاش حول مكانة الرئيس السوري بشار الأسد في مستقبل سورية.
– خسرت السعودية الجولة، ويبدو أنها آخر جولات الحرب.
(البناء)