ليبيا والأمم المتحدة: حلول افتراضية: حميدي العبدالله
بعد توقيع اتفاق الصخيرات في المغرب تراءى للكثيرين أنّ الفوضى المسلحة في ليبيا أوشكت على نهايتها وأنّ الاتفاق سيضع حداً لها، ويكرّس تقاسم القوى الفاعلة الليبية ومن يقف وراءها السلطة، وتوحيد جميع الأطراف في مواجهة تنظيم داعش الذي سيطر على مناطق واسعة من الأراضي الليبية.
لكن تبيّن لاحقاً، من خلال ردود فعل الطرفين الرئيسيّين المتقاتلين في ليبيا، أنّ الاتفاق لم يحظ بموافقتهما، وأنّ الاتفاق فعلياً هو بين ممثلي الأمم المتحدة وبعض السياسيين الليبيين الذين لا يمثلون أيّ وجود على الأرض. وقد أعلن ممثلو القوى المتصارعة الليبية أنهم يريدون تعديل هذا الاتفاق، ولكن ممثل الأمم المتحدة قد رفض ذلك بقوة، وهذا يعني بصراحة أنّ الاتفاق الذي حظي بتغطية إعلامية واسعة، كان اتفاقاً افتراضياً وليس اتفاقاً حقيقياً، وبالتالي الفوضى المسلحة في ليبيا لا تزال مستمرة، ولم يحن الوقت الذي ينعم فيه الليبيون بالأمان والاستقرار.
ولكن لماذا تصرّ الأمم المتحدة على الوصول إلى اتفاقات افتراضية، سرعان ما تنهار عند السعي إلى وضعها موضع التطبيق.
لا شك أنّ ثمة أسباباً فعلية تفسّر ذلك، من بين هذه الأسباب، يمكن الإشارة إلى سببين رئيسيّين، الأول، مستوى الخلاف وتعارض المصالح بين الأطراف الليبية المتصارعة، والقوى الإقليمية الداعمة لكلّ طرف من هذه الأطراف. إذ من المعروف، أنّ تركيا وقطر تدعم طرفاً يمثل «الإخوان المسلمون» أحد أهمّ مكوناته، في حين أنّ مصر تدعم طرفاً آخر ومن الصعب التوفيق بين الطرفين، سواء لأسباب تتعلق بخلافاتهما بحدّ ذاتها، أو بسبب تحالفاتهما الإقليمية وصعوبة التوافق بين مصر من جهة وكلّ من تركيا وقطر من جهة ثانية، السبب الثاني أنّ الأمم المتحدة في غالب الأحيان لا تسعى إلى أخذ مصالح القوى المحلية بالدرجة الأولى في عين الاعتبار عند صياغة اقتراحاتها للحلول، بل تسعى إلى تغليب مصالح الحكومات الغربية التي تعتبر المحرك الفعلي للصراعات في ليبيا، وهي التي لعبت الدور الأكبر في إسقاط الدولة الليبية، وإيصال ليبيا إلى ما وصلت إليه الآن.
ولأن ممثلي الأمم المتحدة يغلّبون مصالح الحكومات الغربية على حساب الليبيين من جميع الأطراف لذلك تكون عادة اقتراحاتهم للحلول مرفوضة من جميع الأطراف، وهذا ما حدث أكثر من مرة في ليبيا، فاتفاق الصخيرات الأخير سبقه أكثر من اتفاق كان مصيره الفشل.
(البناء)