تقارير ووثائق

الرئيس أوباما تخلى عن عبارة ‘إضعاف تنظيم «الدولة الإسلامية» وتدميره’: فهل يكتسي ذلك دلالة معينة؟ روبرت ساتلوف

 

هيستوري نيوز نيتوورك

13 كانون الأول/ ديسمبر 2015

في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما من البيض الأبيض في أعقاب هجمات سان برناردينو [في كاليفورينا]، لم يذكر أوباما أي تغيير ملحوظ في الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب. ولكنه أعلن عن حدوث تحول لافت للانتباه في خطابه حول تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (الذي يُعرف اختصاراً بـ «داعش» أو «الدولة الإسلامية)).

وعلى وجد التحديد، تخلى الرئيس الأمريكي عن عبارة “إضعاف التنظيم والقضاء عليه في النهاية”، وهي عبارة استخدمها أوباما وكبار مستشاريه منذ أيلول/سبتمبر 2014 بحديثهم عن تنظيم «داعش». وأعلن عوضاً عن ذلك: “إن التهديد المنبثق عن الإرهاب حقيقي ولكننا سنتخطاه. سندمر تنظيم «الدولة الإسلامية» وأي تنظيم آخر يحاول إلحاق الضرر بنا”. فقد تلاشت على ما يبدو الجهود غير محددة الملامح الرامية إلى “إضعاف” العدو من أجل القضاء عليه في النهاية.

وإذا ما التزم الرئيس أوباما بهذا الخطاب الجديد، فسيشكل ذلك نهاية باكرة لمساهمته الفريدة في المصطلحات العسكرية الأمريكية. وبالتالي، لا ينبغي أن تمر هذه اللحظة مرور الكرام.

ففي 29 آب/أغسطس 2014، وصف الرئيس أوباما الاستراتيجية الأمريكية للمرة الأولى بأنها تقوم على “إضعاف تنظيم «الدولة الإسلامية» على المدى الطويل”. وحتى ذلك الحين، لم يكن “تدمير” تنظيم «داعش» وارداً على أجندته كما يبدو. ثم، بعد بضعة أيام، وفي أعقاب بث شريط فيديو مروع يقوم فيه تنظيم «الدولة الإسلامية» بذبح صحافي أمريكي، قام الرئيس أوباما بتعديل خطابه خلال زيارة قام بها إلى إستونيا ليصبح “إضعاف التنظيم وتدميره”، قائلاً: “هدفنا واضح، وهو إضعاف تنظيم «داعش» وتدميره حتى لا يعود يشكل تهديداً ليس فقط للعراق، بل للمنطقة والولايات المتحدة أيضاً”. وفي مؤتمر صحفي عقده في 5 أيلول/سبتمبر في ويلز، اختار العبارة الأكثر ليونة نوعاً ما وهي “إضعاف التنظيم وتدميره في النهاية”. وكانت هذه هي العبارة الأساسية في الجملة الافتتاحية للخطاب الذي ألقاه أوباما أمام الأمة في 10 أيلول/سبتمبر حول الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب: “أيها الأمريكيين الأعزاء، أود أن أطلعكم هذه الليلة على الخطوات التي ستتخذها الولايات المتحدة مع أصدقائها وحلفائها لإضعاف التنظيم الإرهابي المعروف بتنظيم «الدولة الإسلامية» وتدميره في النهاية”. وفي ما عدا بعض الاستثناءات النادرة، بقيت هذه العبارة، المشروطة تارةً بعبارة “في النهاية” وغير المشروطة طوراً، لازمة يرددها الرئيس الأمريكي بانتظام عند تحدثه عن الاستراتيجية الأمريكية، إلى حين وقوع اعتداءات سان برناردينو.

ومن المثير للاهتمام، أن تنظيم «الدولة الإسلامية» لم يكن العدو الأول الذي استهدفه الرئيس أوباما باستراتيجية “الإضعاف والتدمير”، إذ أن الأمر ذاته يشمل تنظيم «القاعدة». ففي مؤتمر صحفي عقده الرئيس الأمريكي مع رئيس الوزراء الهندي في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2009، قال أوباما: “سنقوم بتفكيك قدرات تنظيم «القاعدة» وإضعافها، وفي النهاية، سنقوم بتفكيك شبكات التنظيم وتدميرها“.

ولكن الجدير بالملاحظة بشكل خاص أن الرئيس أوباما، باستخدامه العبارة على هذا النحو، أصبح أول قائد عام للقوات المسلحة يستخدم الفعلين “إضعاف” و”تدمير” في الجملة نفسها في أي سياق عسكري. ويعود الفضل وراء هذه الملاحظة إلى المساهمة القيّمة التي قامت بها جامعة كاليفورنيا في إطار “مشروع الرئاسة الأمريكية” في سانتا باربرا، الذي سمح بالبحث عن كل عبارة رئاسية ذُكرت خطياً أو شفهياً عبر التاريخ.

وقبْل أن يصبح أوباما رئيساً، استخدم خمسة رؤساء أمريكيين فقط الفعلين “إضعاف” و”تدمير” في الجملة ذاتها. وفي حالة الرئيسين ثيودور روزفلت وبيل كلينتون، كان موضوع طرحهما يتمحور حول المحافظة على البيئة. فقد كتب روزفلت في تقرير “اللجنة الوطنية للمحافظة على البيئة” لعام 1909 ما يلي: “إذا ما قام جيلنا هذا بتدمير الموارد التي يستمد منها أطفالنا معيشتهم، نحد بذلك من قدرة أرضنا على إعالة السكان، وسيؤدي ذلك إما إلى تدهور مستوى المعيشة أو حرمان الأجيال القادمة من حقها في الحياة على هذه القارة”. وفي سياق مماثل على نحو غريب، أعلن كلينتون خلال مؤتمر وطني حول الغابات عام 1993 عن خطة تشجير جديدة “يُفترض أن تنتج مستوى متوقعاً ومستداماً من مبيعات الخشب والموارد غير الخشبية، والذي لن يؤدي إلى إضعاف بيئتنا الحرجية أو تدميرها“.

وفي خطاب “حالة الاتحاد” الذي ألقاه الرئيس جيرالد فورد عام 1976، استخدم فورد هذين الفعلين في فقرة حول تعاطي المخدرات. فقال، مدافعاً عن العقوبات الإلزامية: “جميعنا يعلم أن المخدرات الصلبة تضعف معنويات متعاطيها وتدمر أجسادهم“.

وقبل أكثر من قرن من الزمان تقريباً، استخدم أيضاً اثنان من الرؤساء الأمريكيين غير الواعدين، هما جيمس بيوكانان وأندرو جونسون، هذين الفعلين في جملة واحدة. فقبل أشهر فقط من اندلاع “الحرب الأهلية” الأمريكية، تعرض جيمس بيوكانان لهجوم سياسي عنيف، ورد على تصويت بحجب الثقة من قبل الكونغرس في رسالة كتب فيها: “إن غياب كافة الأدلة التي تدعم هذه المحاولة الرامية إلى إضعاف الرئيس في حين تُظهر سم السهم الموجه إليه، قد دمرت قوة القوس“.

وتمثلت المفارقة الأعظم باستخدام هاتين العبارتين من قبل جونسون عندما نقض قانوناً صادراً عام 1867 يمنح حق التصويت للعبيد المحررين الذين يعيشون في مقاطعة كولومبيا، حيث قال: “إن منح حق الاقتراع بشكل عشوائي لطبقة جديدة، غير مهيأة بالكامل من خلال العادات والفرص السابقة لممارسة الثقة التي تطالب بها، يعني إضعاف هذا الحق وأخيراً تدمير قوته…”

لقد طغت السياسة على استراتيجية جونسون القائمة على العرقلة. فهؤلاء العبيد المحررون حصلوا في النهاية على حق التصويت ولم يتم إضعاف هذا الحق ولا تدميره. كذلك، طغت السياسة أيضاً على خطاب الرئيس أوباما القائم على مقاربة أكثر توازناً، وتدريجية فيما يخص تنظيم «الدولة الإسلامية»، وهو نهج بدأ بإضعاف التنظيم وتوسّع ليشمل التزاماً بتدميره في النهاية.

وفي هذه الحالة، فإن حاجة الأمريكيين الملحة للشعور بالأمان فرضت على الرئيس أوباما على ما يبدو التخلي عن المفهوم الغامض المتمثل بـ “إضعاف” العدو. ففي أوقات الحرب والسلم، يريد الأمريكيون هزيمة عدوهم وليس إضعافه. ولم يذكر الرئيس الأمريكي متى سيتحقق النصر ولم يعرض تكتيكات جديدة لتحقيقه، ولكن هذا التحول في الخطاب شكّل على الأقل نقطة انطلاق.

وبالطبع، لا يمثل الخطاب سوى جزءاً صغيراً من الواقع. وحتى الآن، لم يطابق الرئيس الأمريكي على ما يبدو القدرات العسكرية مع النوايا السياسية التي كشف عنها مؤخراً. ولكن نظراً لتخلي أوباما السريع عن عبارة “إضعاف وتدمير”، قد يمضي وقت طويل قبل أن يستخدم رئيس آخر هذه العبارة كاستراتيجية عسكرية توجيهية.

روبرت ساتلوف هو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى