مقالات مختارة

«جيش الفتح» يتفكك والمحيسني ينادي بـ«الإبادة»: مليون دولار لمسح الفوعة عن الخريطة! عبد الله سليمان علي

 

عادت الفوعة وكفريا إلى دائرة التهديد من جديد، وكأن قدر البلدتَين المحاصرتَين أن تكونا ورقة بيد التكفيريين للمساومة عليهما لقاء تحسين شروط التفاوض في بعض الملفات، أو للضغط على الجيش السوري وحلفائه من أجل التوصل إلى اتفاقات تسوية أو «هدن» تشمل مناطق جديدة أصيب فيها التكفيريون بحالة عجز عسكري واضح.

في غضون ذلك، كان لافتاً إعلان «فيلق الشام» انسحابه من «جيش الفتح»، بالرغم من كل الدعوات للتوحد وتشكيل «حكومة إسلامية» وكل نداءات الاستنفار، وذلك بعد أسابيع فقط من انسحاب «جند الأقصى» ورفضه المشاركة في معارك ريف حلب الجنوبي.

وفي محاولة للقفز فوق اتفاق الزبداني – الفوعة وكفريا، والسعي إلى تغيير الوقائع الميدانية المحيطة بالبلدتين المحاصرتين بهدف خلط الأوراق وتغيير شروط الاتفاق، دعا عبدالله المحيسني، السعودي الجنسية، ويتولى منصب «قاضي عام جيش الفتح» إلى إبادة الفوعة وكفريا مقابل ما أسماه إطعام بلدة مضايا القريبة من الزبداني.

وقال المحيسني، بعد أن وصف معاناة أهالي مضايا جراء الحصار المفروض عليهم، وهو حصار تساهم فيه إلى حد بعيد حركة»أحرار الشام» وفصائل أخرى بسبب امتناعها عن إخراج مسلحيها من البلدة، أنه «آن الأوان ليُباد أهل الفوعة بعشرات الاستشهاديين أو يدخل الطعام لمضايا وبقين»، طالباً من «تجار المسلمين التبرع بمليون دولار ثمناً لـ 300 صاروخ من نوع فيل فيمسح الفوعة من الخريطة، وأنا بذلك زعيم فمن لها؟».

يشار إلى أن بلدة مضايا مشمولة باتفاق الزبداني ـ الفوعة وكفريا، حيث نص البند رقم 12 منه على أن «تشمل التهدئة، إضافة إلى وقف إطلاق النار، إيقاف الخطوات العدائية كإغلاق الطريق الإنساني إلى الفوعة وكفريا، أو إغلاق منافذ مضايا وبقين وسرغايا». وكان بإمكان المحيسني لو كان جادّاً في حل مشكلة مضايا أن يسارع إلى فتح الطريق الإنساني لبلدتي الفوعة وكفريا، بدل التهديد بإبادتهما، مقابل فتح الطريق إلى مضايا وبقين، خاصة أن بنود اتفاق الزبداني ما زالت قائمة ويجري تنفيذها بعد استكمال المفاوضات حول طريقة التنفيذ وما تستلزمه من تحضيرات لوجستية. وكان الأسبوع الماضي قد شهد تنفيذ البند المتعلق بإخراج متبادل لأعداد من الجرحى والمصابين. غير أن مسارعة المحيسني إلى التصعيد تشي بأن لديه غايات أخرى، قد لا يكون لها علاقة بأهالي مضايا ومعاناتهم.

ومن غير الواضح، حتى الآن، ما إذا كان المحيسني قد نسّق مع «أحرار الشام» قبل إصدار تهديده بإبادة الفوعة، لأن الأخيرة هي التي وقَّعت على اتفاق هدنة الزبداني الذي تم برعاية وإشراف الأمم المتحدة، وبالتالي فإن من شأن خرق الاتفاق، أو عدم الالتزام ببنوده وأولها وقف إطلاق النار، أن يضع الحركة في موقف محرج أمام الأمم المتحدة، كما قد يترك تداعيات على دورها المستقبلي في مفاوضات الحل السياسي للأزمة السورية بسبب عدم الثقة بالالتزامات التي تتعهد بها.

وقد جاء هذه التطور بعد ساعات فقط من إصدار «أحرار الشام» قراراً مفصلياً بعزل رئيس جناحها السياسي محمد عبدالله الشامي، المعروف بلقب أبو عبد الرحمن الحموي، وتكليف القائد العام للحركة المهندس مهند المصري «أبو يحيى الحموي» بالإشراف على الجناح السياسي وإعادة هيكلته. كما أقرّت الحركة بعزل «أميرها» في قطاع حلب وريفها أبو يوسف المهاجر، وهو ما كانت «السفير» قد أشارت إليه قبل نحو عشرة أيام، وتعيين محمد الشامي مكانه، نتيجة الهزائم التي لحقت بها في ريف حلب الجنوبي، وتفاقم الخلافات بين الألوية التابعة لها هناك.

وقد تبدو دعوة المحيسني لإبادة الفوعة كخطوة تصعيدية تستهدف قلب المعادلات في المنطقة، وإعادة رسم المشهد الميداني للحصول على مكاسب إضافية، تتمثل في تحسين شروط الاتفاق بخصوص الزبداني الذي ما زال خاضعاً لمفاوضات مستمرة من أجل تنفيذ كل بند من بنوده. غير أن العديد من الوقائع تؤكد أن دعوة المحيسني قد تكون بعيدة كل البعد عن السياق السابق، ولها أهداف مختلفة تماماً، فالمحيسني سبق أن دعا خلال الفترة الماضية إلى ثلاثة أمور، هي توحد الفصائل، وتشكيل «حكومة» إسلامية في إدلب، وإعلان النفير العام لجميع المسلمين، لكن جميع هذه الدعوات لم تحظَ بأي استجابة، بل إن «جيش الفتح» تعرض لخسارة كبيرة تمثلت بإعلان «فيلق الشام» انسحابه من «الجيش»، ونيته حشد عناصره وقواته باتجاه ريف حلب الجنوبي بعد استكمال مهمة «تحرير إدلب» كما قال في بيان صدر عنه أمس الأول.

ويؤكد انسحاب «فيلق الشام» صحة ما قيل سابقاً حول انتهاء دور «جيش الفتح»، وأنه بتركيبته الحالية، من فصائل غير متجانسة عقائدياً ولا متفقة في ما بينها بارتباطاتها الإقليمية، أصبح غير قادر على مواكبة المرحلة الحالية التي تحفل بتطورات سياسية وعسكرية تفرض على بعض فصائله، التي تنوي المشاركة في مفاوضات الحل السياسي أن تتحرك ضمن أطر جديدة تتناسب مع هذه التطورات. وتأكيداً لذلك قال لـ «السفير» ناشط إعلامي مقرب من «فيلق الشام» إن الانسحاب من «جيش الفتح» جاء استجابة لنصائح بعض الدول الإقليمية بأنه ينبغي في هذه المرحلة النأي عن «جبهة النصرة» المصنفة على قوائم الإرهاب من أجل تلبية الشروط المطلوبة للمشاركة في مفاوضات الحل السياسي.

وقد يكون هذا التفكك المتدرج الذي يتعرض له «جيش الفتح» أحد الأسباب التي دفعت المحيسني إلى تصعيد لغته ضد الفوعة، لأنه يدرك أن النقطة الوحيدة التي يمكن أن تؤجل تفكك «الجيش»، وانفضاض الجميع من حوله، هي شدّ عصب الفصائل والتلويح لها بورقة اقتحام الفوعة أو «مسحها عن الخريطة»، وهو هدف قد تجد فيه بعض الفصائل مبرراً للاستمرار في «جيش الفتح»، نظراً لما يمكن أن يفتحه أمامها من مصادر تمويل، وسط حالة الشحن الطائفي الذي تعيشه المنطقة برمتها. وقد تكون مطالبة المحيسني بمليون دولار تصب في خانة إغراء الفصائل بالبقاء وعدم الانشقاق.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى