مقالات مختارة

لماذا تتعمّد السعودية استدراج «خصومها» الى حرب مذهبية؟ ابراهيم ناصرالدين

 

لن تمر قضية اعدام الشيخ نمر النمر مرور الكرام، لن تبقى عملية الاغتيال المنفذة عن سابق تصور وتصميم دون رد، ثمة استفزاز سعودي مقصود لدفع الامور نحو منزلق مذهبي خطير في المنطقة، الرياض رفعت منسوب التحدي الى درجة غير مسبوقة مع خصومها في الاقليم، أرجات الى امد غير منظور التسويات المطروحة للملفات الساخنة، فقتل شيخ شيعي دون وجه حق، ليس تفاوضا «تحت النيران»، وانما استدراج الفريق الاخر الى «حريق كبير». ويبقى السؤال لماذا اقدمت السعودية على هذه الخطوة «المتهورة»؟ وهل ستكون الساحة اللبنانية بمناى عن التداعيات؟

اوساط دبلوماسية في بيروت ترى ان السياسة السعودية تدفع الى زيادة منسوب القلق حيال الانعكاسات على الساحة اللبنانية، فعملية الاعدام فاجأت اولا عدد من دول الخليج «الممتعضة» حيال «الرسالة» الخاطئة في هذا التوقيت الحساس، وكذلك ثمة اقرار لدى حلفاء الرياض في واشنطن والدول الاوروبية، بان عملية الاعدام لم تكن ضرورة امنية او سياسية ملحة للمملكة. وفي البحث عن اسباب هذه الخطوة ثمة ثلاثة عوامل رئيسية مؤثرة ومحتملة تحكمت بالقرار السعودي، اولا تأكد مرة جديدة عدم «نضوج» القيادة السياسية الحاكمة، وفشلها في قراءة التداعيات المحتلمة لقرار متهور بحجم اعدام شيخ شيعي دون اي مسوغ قانوني او شرعي. ثانيا حاجة المملكة لتوجيه «رسالة حزم» داخلية لارهاب السعوديين بعد ساعات على قرارات اقتصادية غير مسبوقة تمس اوضاعهم المعيشية. ثالثا، وهو الاخطر، استخدام «سلاح» المذهبية لرفع منسوب الاحتقان المذهبي في المنطقة كخيار وحيد متاح «لشد» العصب السني حول المملكة التي لم تنجح في تحويل صراعها مع ايران الى مواجهة دينية، وفشلت باستقطاب العالم الاسلامي وجره الى اتون تلك الحرب، وباعدام الشيخ النمر تستدرج شيعة المنطقة الشرقية الى مواجهة تستخدمها في اقناع «المترددين» «والمتخاذلين» لمشاركتها في حربها بعد سلسلة من الاخفاقات والاحباطات على اكثر من جبهة، اثر فشل اعلانها لتحالفين «هشين» الاول في اليمن والثاني لمكافحة الارهاب.

اوساط بارزة في 8 آذار تميل الى ترجيح الاحتمال الثالث في فهم قرار اعدام السلطات السعودية للشيخ النمر، وترى انه امر منسق مع العهد الجديد، فحين اعتلى الملك سلمان بن عبد العزيز عرش المملكة العربية السعودية بدا التمهيد لقيام الدولة السعودية الرابعة بعد مرور اكثر من مائة عام على قيام الدولة الثالثة التي أسسها واقامها موحد المملكة ورمزها التاريخي الملك عبد العزيز، واول ما قام به الملك الجديد ترتيب امور الاسرة الحاكمة، فاحدث المفاجأة المدوية بتمهيد الطريق للجيل الثاني من ابناء الاسرة لاستلام مقاليد الحكم، فعين الامير محمد بن نايف وزير الداخلية وليا للعهد، وابنه الامير محمد بن سلمان وليا لولي العهد. واذا كانت تداعيات هذه الخطوة محصورة بتداعياتها الداخلية، فان الاخطر يكمن في المهمة الخارجية للعهد الجديد الذي وضع لنفسه دوراً يفوق قدراته، «قيادة العالم العربي والاسلامي لمواجهة «المشروع الايراني» للهيمنة على المنطقة».

بعد نحو عام، تجد المملكة نفسها، وحيدة في هذه المعركة،ومعها بعض دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء عمان، فضلا عن «تحفظ» الكويت عن الذهاب بعيدا في معاداة طهران، وذلك حفاظا على التوازنات المذهبية الدقيقة داخل الامارة. اما «الفاجعة» الكبرى بالنسبة للسعوديين فكانت مصر التي عملت على اتباع سياسة «النأي» بالنفس عن هذه الحرب، فاوضاعها الداخلية الامنية والاقتصادية الصعبة لم تسعفها باستعادة ثقلها السياسي في العالم العربي، وهذا ما جعل مصر تغيب عن المشاركة والانخراط مع السعودية في المواجهة المفتوحة في المنطقة، سواء بلعب دور في سوريا او في اليمن، فيما تراجع الاردن عن دوره في سوريا «واقفل» عمليا جبهة الجنوب السوري، وانهى عمل غرفة عمليات «الموك»، بعد الدخول الروسي وتراجع الاهتمام الاميركي بالملف. وفيما تبدي عمان تحفظات على المشاركة في حرب اليمن بقيت بقية الدول المغرب العربي بعيدة عن «الدخول العملي» في الصراع، اما دول العالم الاسلامي فلم تستجب لدعوات السعودية ولم تجد في عنوان الحرب على ايران اي مصلحة مشتركة معها، هكذا وجدت السعودية نفسها وحيدة في مواجهة «المشروع الايراني».

هذا «الذعر» السعودي ترجم عمليا قبل ساعات من تنفيذ «الاعدام» بتقارب سعودي مع تركيا، على حدّ قول الاوساط فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان انهى زيارته الثالثة خلال عام واحد الى المملكة العربية السعودية، باتفاق على وضع خلافهما التاريخي منذ عهد الدولة العثمانية، والتنافس السياسي الإقليمي،جانبا، لمواجهة ما يعتبرانه الخطر الوجودي المحدق بدورهما في المنطقة، وقد اظهرت الزيارة حالة من «القلق» لدى دولتين تشعران اليوم بالحاجة لبعضهم البعض، وأكثر من أي وقت مضى، على الرغم من الخلافات «العقائدية» الكبيرة بينهما، والصراع بين السلفية الوهابية و«الاخونة»، لكن شعور الدولتين بان «الخناق» في المنطقة يضيق عليهما بفعل التدخل الروسي العسكري المباشر، ووجود خيبة أمل مشتركة من سياسات الولايات المتحدة في المنطقة لا سيما في سوريا والعراق، وشعور كبير لدى القيادتين السعودية والتركية بأن التدخل الروسي في سوريا يحظى بقبول ورضا أميركي، خصوصا بعد رد الفعل الاميركي «المخيب» على تصفية قائد جيش الاسلام زهران علوش.

وبرزت مؤشرات التشدد السعودي من خلال التفاهم التام مع انقرة على إيجاد صيغ جديدة لدعم المعارضة السورية، والتفاهم حول الملف العراقي، والحرب في اليمن مع توجه سعودي لاعطاء الاخوان المسلمين دورا اكبرهناك، مع التزام الطرفين تحييد الملف المصري، لكن التطابق كان تاما من خلال اتفاق البلدين على حتمية رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وتحفظهما على التدخل الروسي المباشر إلى جانب النظام السوري. ماذا يعني ذلك؟

السعودية الان تتجه نحو المزيد من الغرق في «مستنقع» المنطقة، تؤكد الاوساط، هي غير قادرة على التراجع، تلعب «لعبة» المذهبية كفرصة اخيرة، ستزيد من دعمها العسكري والمالي لفصائل المعارضة السورية، وقد بدأ التنسيق الاستخباراتي الميداني مع تركيا وقطر، هذا يعني ان «خارطة طريق» مؤتمر فيينا باتت غير سالكة، وفي اليمن اعلنت قبل ساعات سقوط الهدنة، وهذا يعني ان الحرب هناك دخلت منعطفا جديدا، ستطور معه الاحداث نحو المزيد من اتساع «الحريق» مع دخول الخيارات اليمنية الاستراتيجية حيذ التنفيذ. اما في لبنان فـ «عقارب الساعة» عادت مجددا الى الوراء، ليس بسبب تصميم محور المقاومة على عدم تقديم «هدايا» مجانية للسعودية، مع ما يعنيه ذلك من تراجع فرص عودة الرئيس الحريري الى رئاسة الحكومة بشروط «التسوية» الباريسية، وانما الخشية من اقدام الرياض على خطوات «متهورة» قد تدفع بالاحداث الى مربع من التوتر غير المحسوب.

فاذا كان «خصوم» المملكة وفي مقدمتهم حزب الله يسعون الى تفويت الفرصة عليها، من خلال الاصرار على عدم الانزلاق الى مواجهة بعنوان مذهبي، فان منسوب القلق كبير من قيام الفريق الاخر باستدراج البلاد الى اهتزازات امنية بعنوان «مذهبي»، فتعزيز التنسيق بين الاستخبارات السعودية والتركية، يزيد من المخاطر، ولدى الطرفين «مونة» كبيرة على شريحة سياسية وازنة، وكذلك على مجموعات متطرفة على الحدود وفي الداخل، وما جرى من تحركات في البقاع خلال تنفيذ اتفاق «الفوعة كفريا- الزبداني»، مؤشر خطير تجري مقاربته الامنية بجدية مطلقة، واحتمالات تفعيل بعض الخلايا النائمة بات مرجحا، فاذا كانت المملكة غير آبهة «بالمغامرة» بامنها الداخلي لتحقيق اهدافها، فانها لن تكون حريصة على تماسك الامن على الساحة اللبنانية، هذه المعادلة تجعل الامور مفتوحة على كافة الاحتمالات الخطيرة، بعد ان اجازت السعودية لنفسها «تجاوز الخطوط الحمراء» ما يعني ان الكثير من الضوابط الحاكمة للصراع قد سقطت…

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى