لهذه الاسباب جاهر حزب الله بموقفه من التسوية في بكركي…. ابراهيم ناصرالدين
«الذهول» المصطنع لدى فريق 14آذار ووسائل اعلامه من موقف حزب الله الجديد – القديم حيال تمسكه بترشيح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، مثير «للسخرية» والريبة في آن واحد، وكأن ثمة جديد في هذا الموقف الذي ابلغ للاصدقاء والخصوم منذ اليوم الاول لطرح «تسوية» باريس! لا شيء تغير وما تزال المعادلة هي نفسها، «الرابية» تشكل المعبر الشرعي للاستحقاق، ونقطة على آخر السطر. اما السؤال الذي يطرح نفسه فهو لماذا تقصد الحزب التذكير بهذا الموقف من بكركي، وفي هذا التوقيت؟
اوساط في 8آذار تشير الى ان رمزية الصرح البطريركي لعبت دورا «جوهريا» في حسم مكان وزمان المجاهرة بالموقف من على منبرها، فالامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اطل خلال اسبوع واحد مرتين ولم يقارب هذا الملف لا من قريب او بعيد، بعد ان اتخذ القرار بترك المهمة لوفد حزب الله المكلف بمعايدة البطريرك الماروني. فالحزب حريص على مراعاة حساسية الاستحقاق، واراد وضع الامور في نصابها، باعتبار الرئاسة شأن يخص المسيحيين والموارنة اولا، قبل ان يكون ملفا عاما يخص اللبنانيين، ولذلك كان من المنطقي ابلاغ راس الكنيسة برؤية ومقاربة الحزب لهذا الملف، والاستماع الى مقاربتها، قبل اطلاق موقف علني لا يقبل اي التباس حول المبادرة الباريسية، وهو اعطى البطريرك فرصة تاريخية لاستعادة المسيحيين القرار الحاسم في ملف الرئاسة.
فالحزب اوضح للبطريرك الراعي بان الانتخابات الرئاسية لم تكن ولن تكون سلعة سياسية يمكن ان يستخدمها للمساومة او المقايضة او «البيع والشراء»، واذا كان تيار المستقبل يريد التعامل معها كـ«مطية» لتحقيق مصالحه، حتى لو كانت على حساب حلفائه المسيحيين، فان هذا الامر ليس موجودا في «قاموس» حزب الله السياسي والاخلاقي، فالجنرال ميشال عون ليس موظفا عند الحزب، بل حليف وشريك في القرار السياسي، وله القرار الحاسم في الملف الرئاسي، وهي حقيقة لا يريد الحزب ان يقفز فوقها او يتجاوزها، ودور الحزب في هذا السياق دعم خيارات حليفه المسيحي، كما كان هو داعما وشريكا لخياراته في الكثير من الملفات الاستراتيجية. وربما للمرة الاخيرة اراد الحزب رسم «خارطة طريق» واضحة لهذا الاستحقاق، «ليس دورنا ممارسة اي ضغط على حليفنا، لسنا معنيين بـ«لعب» دور الوسيط في هذا الملف، ومن لديه طرح رئاسي او مبادرة عليه الذهاب مباشرة الى «الرابية» للتفاهم مع الجنرال، وعندما يقتنع يمكن الحديث كفريق سياسي عن «شروط» اي تسوية يمكن ان تشكل مخرجا للازمة الرئاسية».
ولفتت تلك الاوساط الى ان الحزب وضع بكركي وخصومه امام «امتحان» المصداقية، واراد من بوابة الكنسية المارونية التي تأرجح موقفها في الأيام الأخيرة بين تأييد كلي لما سمته «مبادرة جديدة وجدية» والتمييز لاحقا بين «المبادرة والاسم المطروح»، ان يضع الجميع امام مسؤولياتهم، لوضع «اوراقهم على الطاولة»، فمن جهة على البطريرك الراعي ومجلس المطارنة ان يقولوا حقيقة ما يفكرون به، دون الابقاء على غموض «حمال الاوجه»، ومن جهة ثانية يجب على تيار المستقبل التوقف عن «اللعب على الحبلين»، واخراج مبادرته الى العلن، فتارة يقول النائب احمد فتفت ان احدا لم يرشح فرنجية، وطورا يرفض رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة تسمية التسوية الرئاسية بالمبادرة. حزب الله يريد من الجميع التوقف عن «لعبة» التذاكي لتحميله مسؤولية عرقلة ما يقولون انه فرصة لملء الفراغ، بات الجميع يدرك الان ان «الكرة» ليست في «ملعبه»، قال الوفد كلاما واضحا للبطريرك، وسمع منه كلاما اكثر وضوحا حول موقفه من المرشحين الرئاسيين، تمنى عليه عدم السماح بتحويل الاستحقاق الى «بازار» سياسي يستفيد منه البعض لتحقيق مآرب خاصة على حساب دور المسيحيين، مكررا نصيحته للبطريرك بالمساعدة على تفويت الفرصة على الذين يعتقدون انهم قادرون على تجاوز «وكسر»مكون اساسي في الساحة المسيحية، لان التداعيات ستكون سيئة، وستسجل سابقة من غير المفيد ان يقبل بها المسيحيون.
وهنا يبدو حزب الله معنيا بعدم منح خصومه مجالا لتسجيل «الاهداف» في «مرماه»، وهو اعاد «الكرة» الى «ملعب» الرئيس سعد الحريري الذي يتحضر لاطلالة اعلامية مطلع السنة المقبلة لعرض كل المعطيات المتصلة بالاستحقاق الرئاسي، وعليه يرغب الحزب بدفع رئيس تيار المستقبل الى تجاوز «المبادرة الباريسية» وظروف «ولادتها» الى مرحلة اكثر تقدما يشرح من خلالها كيفية تطويرها كي تتلائم مع المواقف المعلنة المانعة لنجاحها، وهو معني بالاجابة عن اسئلة تتعلق بكيفة تسويقها في «الرابية» والخطوات التي يعتزم القيام بها لاقناع «الجنرال»، بعيدا عن ترداد «المعزوفة» التي تحمل حزب الله وايران مسؤولية تعثر المبادرة، المطلوب من الحريري مهمتين، الاولى لا يتوقف عندها الحزب كثيرا، وتتعلق باقناع محيطه وحلفائه المسيحيين بمبادرته، والمهمة الثانية اقناع ميشال عون، وعندما تنتهي مهمته بنجاح يمكنه فتح نقاش جدي مع حزب الله حول شروط التسوية.
اما الإصرار على المبادرة الرئاسية ومحاولة تحميل الحزب تبعاتها وتكليفه القيام بدور لا يرى انه معني به، فهذا لن يحصل وتضييع للجهد والوقت، تؤكد الاوساط، والتهويل بخطر الانفلات الامني والتسويق للمبادرة على انها محاولة «نبيلة» من قبل «التيار الازرق» لتجنيب لبنان تجارب صعبة أشد خطورة من 7 أيار، وعودة الحديث عن ملف المخيمات المتفجر، وتفاقم ملف عرسال، وتكرار التفجيرات الارهابية، كلها جزء من ضغوط تهدف الى التهويل على الطرف الاخر. فالهدوء على الساحة اللبنانية ليس مرتبطا بانتخاب رئيس للجمهورية، وانما بتفاهم دولي اقليمي على تحييد لبنان عن «اعاصير» المنطقة، ومن يظن هذه المرة انه قادر على افتعال الازمات لانتخاب رئيس «بقوة الأمر الواقع»، فانه يحسب الامور مرة جديدة على نحو خاطىء، لان خطيئة تسوية الدوحة التي انتهت بتعيين الرئيس ميشال سليمان رئيسا، غير قابلة للصرف هذه المرة، واذا كان ثمة من في الداخل والخارج لا يقر ويعترف بان ميزان القوى الاقليمي والدولي قد تغير، فانه سيدفع مرة جديدة ثمنا باهظا نتيجة حساباته الخاطئة ونواياه الخبيثة.
وقد تكون «مطالعة» الرئيس فؤاد السنيورة التي حولت «المستقبل» الى «تيار الملائكة»، نموذجا اكثر وضوحا عن تلك النوايا، فعندما يؤكد السنيورة ان ترشيح فرنجيه يقتصر على بند وحيد هو الرئاسة حصراً، وكل ما عداها يأتي لاحقاً، نافيا وجود مقايضة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، فان ثمة ما يدعو الى الريبة والقلق، من النوايا المبيتة وراء الطرح الذي يتنمى صاحبه ان يؤدي الى اسقاط تحالف «مار مخائيل»، عبر استدراج الحزب الى الموافقة على المبدأ والتخلي عن عون. فلو كان «المستقبل» «عفيف النفس» لماذا اذا عطل الانتخابات نحو عامين؟ ولماذا لم يترجم القلق من الفراغ او الخوف على البلاد من الفوضى الاقليمية قبولا بترشيح «الجنرال»، اذا كان «المستقبل» لا يبحث عن ضمانات او مقايضات؟ اليس كلام رئيس كتلة المستقبل مدعاة لمزيد من القلق ازاء النوايا المبيتة لدى هذا الفريق الذي يسعى بدفع اقليمي الى محاولة اضعاف حزب الله عبر «تعريته» داخليا، بعد الفشل في «تقليم اظافره» في الاقليم؟ الحزب اخرج نفسه من دائرة التجاذبات، تجنب من على منبر بكركي دخول «حقل الالغام» الرئاسي، ليس معنيا بنعي اي تسوية، لكن من يريد لمبادرته النجاح القيام بمهمة «نزع الالغام» من طريقها…
(الديار)