سورية: لماذا «تيسير» وليس «إشراف» الأمم المتحدة؟ حميدي العبدالله
وردت عبارة «تيسير من الأمم المتحدة» في أكثر من فقرة في قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254. وبديهي أنّ كلمة «تيسير» غير كلمة «إشراف» أو «بقيادة» الأمم المتحدة، وكلمة «إشراف» وردت مرة واحدة في البيان، وتحديداً عند الحديث عن الانتخابات التي ستجري في سورية في إطار ما سُمّي بالمرحلة الانتقالية.
واضح أنّ كلمة تيسير، ولا سيما التي جاءت في سياق الحديث عن «العملية السياسية التي تتولى الأمم المتحدة تيسيرها» لم يكن استخدامها دون غيرها من المفردات أمراً عفوياً، والأرجح أنّ روسيا كانت وراء انتقاء هذه المفردة والإصرار عليها، لأنّ هذه المفردة لم تكن واردة في مسودّة المشروع الأميركي، ومفردة «تيسير» يعني مساعدة الأطراف السورية، وحتى الدولية والإقليمية لإنجاز العملية السياسية، وهذا يعني أنّ دور الأمم المتحدة، سواء عبر الوسيط الدولي أو أيّ شكل آخر قد يقرّه مجلس الأمن لاحقاً، يقتصر على مساندة الأطراف المعنية والتقريب بين وجهات نظرها، وليس فرض أيّ شيء عليها.
وبديهي أنّ هذا ينسجم مع كثير من الفقرات الواردة في قرار مجلس الأمن 2254، ولا سيما ما يتعلق منها بتشكيل «هيئة الحكم الانتقالية» التي شدّد قرار مجلس الأمن الجديد على أن «تعتمد في تشكيلها على الموافقة المتبادلة، مع كفالة استمرارية المؤسسات الحكومية»، وهذا يعني أنه لن يكون هناك أيّ إجراء إذا لم يوافق عليه الطرفان، الحكومة والمعارضة، كما أنه لن يكون هناك أيّ إجراء من شأنه أن يؤثر على«استمرارية المؤسسات الحكومية الحالية» وينحصر واجب ودور الأمم المتحدة، بإقناع الأطراف السورية المعنية بذلك، وليس فرض أيّ حلول عليهم، ومن شأن ذلك أن يجعل الأمم المتحدة وسيطاً مقبولاً لا سيما إذا التزمت بنص وروح القرار 2254، ولم تقم تحت ضغط الولايات المتحدة وحلفائها بالخروج عن النص، وعن العبارات المحددة التي لا تقبل التأويل.
يبدو أنّ روسيا وضعت نصب عينيها عند قراءة مسودّة المشروع الأميركي، الذي هو ثمرة حوار طويل بين المسؤولين الروس والأميركيين، وثمرة توازن القوى على الأرض، ولا سيما بعد إسهام روسيا في محاربة الإرهاب في سورية، أن لا تسمح بتمرير أيّ عبارة حمّالة أوجه أو غامضة، يمكن استغلالها لاحقاً لتنفيذ أهداف وأجندة لم يتمّ التوافق بشأنها، ولهذا جاءت عبارة تيسير وليس أيّ عبارة أخرى في تحديد ماهية دور الأمم المتحدة في العملية السياسية، لا سيما أنه يؤخذ على مؤسسات الأمم المتحدة، ولا سيما الأمانة العامة، رضوخها الكامل للإملاءات الأميركية وعملها الدائب على خدمة التوجيهات والمصالح الغربية، وليس مصالح المجتمع الدولي الذي يفترض بالأمم المتحدة أن تعبّر عنه.
(البناء)