بقلم غالب قنديل

فارس التنوير الأب غريغوار

hadad

غالب قنديل

رحل المطران غريغوار حداد أحد أبرز فرسان حركة التنوير المعاصرة في لبنان والوطن العربي والعالم وأحد رواد المسيحية المشرقية الذي رفع راية العدالة الاجتماعية وكافح بمبادرات لم تنقطع لتحدي العصبيات الطائفية والتطرف الديني مروجا لثقافة الإخاء الإنساني وللتوحد في المشترك الاجتماعي والوطني فوجدناه في ذروة العطاء محاضرا ومبادرا يتقدم الصفوف في حملات توعية وتثقيف وفي ترويج مركز لمفهوم النضال الاجتماعي العابر للطوائف وللمناطق .

كان الأب غريغوار جنوبيا مقاوما بقدر ما كان داعية للعلمانية الوطنية وللدولة المدنية وقد تسلح بعقل نقدي فاستقطب من حوله في كل لبنان نخبة من الشابات والشباب وفتح اعينهم على فكرة التنوير الثقافي والاجتماعي وعلى ثقافة التضامن والوحدة الوطنية في ذروة إعصار الحرب الأهلية الذي مزق الكثير من مستويات التواصل الاجتماعي فعبرت “الحركة الاجتماعية” إلى كل مكان من لبنان ضد التقسيم وسلطات الأمر الواقع بحقيقة الإنسان الواحدة في الوطن.

الأب غريغوار المحاور اللبق والمثقف الخلاق كان فكره يغلي بالثورة على كل تخلف ورجعية وشكل التنوير رسالته المستمرة حتى النفس الأخير وفي ذروة ما ناله من ظلم واضطهاد وتشهير كان صابرا واثقا بأن التاريخ سينصفه وأن القوى الرجعية التي قاومت حركته الإصلاحية سوف تنحسر لأنه يحمل راية التنوير في وجه الظلامية والتعصب والتخلف.

الوحدة الوطنية كانت حقيقة حياة عند هذا الرسول المسكوني الذي أصر على مواصلة نشاط الحركة الاجتماعية ومشاريعها في كل مكان من لبنان وبنى مع مناضليها برامج عمل غيرت حياة الكثيرات والكثيرين من اللبنانيين وظل الأب غريغوار متواضعا في الكلام عن إنجازات حركته وإن قال شيئا نسبه لنساء ورجال آمنوا به ووثقوا بقيادته واعتنقوا أفكاره فمن سمات عقله التنويري الإيمان بقدرة الجماعة والنظر إلى العمل الاجتماعي كرسالة واجبة لفعل التضامن والوحدة “في الله الواحد ” بعيدا عن استعراضات ” المحسنين ” المغرضة ولذلك اشتغل على تعميم تنمية المهارات المهنية والحرفية وتأسيس برامج دعم المنتجين في الأرياف بدلا من جمع الأموال والتبرعات التي استخدمت لتحويل الفقراء إلى متسولين عند الزعماء السياسيين ومؤسساتهم خلال الحرب وما بعدها .

“المطران الأحمر ” او ” مطران الفقراء ” كان في صلب دعوات التغيير وحركات التقدم الاجتماعي وهو كان مشاركا في كل نشاط او مبادرة في هذا الاتجاه على مدى عقود اشتغاله في الحقل العام الاجتماعي والوطني وقد عرفناه مناضلا لا يكل على جميع الجبهات الفكرية والثقافية والوطنية وفي كل المراحل الصعبة لا يعرف الانطواء والرضوخ وقد تلاقى مع جميع النزعات الإصلاحية التقدمية والتحررية التي عرفها لبنان على امتداد ما يقارب ستين عاما متواصلة وكان صديقا مقربا من جميع رموزها وقادتها.

فارس التنوير الأب غريغوار سيبقى حاضرا مع كل نسمة حرية ومع أفكار التغيير والوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية التي هي مضمون “أنسنة ” واقعنا المتغول والمتوحش الذي كان من أشد نقاده ودعاة الثورة عليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى