حين واجهتَ الموت اخترتَ أن تكون شهيداً العلامة الشيخ عفيف النابلسي
أنهى سمير القنطار عمره كما أحّب وأراد. هو الذي اختار الشهادة منذ أن بلغ الحلم. انطلق بتحفّزه وحماسه الشديد ليدافع عن فلسطين التي تخلّى عنها معظم العرب والمسلمين. هذا الشاب نظر إلى زمانه. فماذا رأى؟ رأى أنظمة خانعة، وشعوباً مشلولة الإرادة، وزعماء وقيادات عديمي الضمير والمسؤولية.
رأى الذين يتاجرون بالمواقف وآخرين يتاجرون بدماء الأبرياء، وأولئك الذين يتقرّبون إلى الجلاد خوفاً من البطش أو طمعاً في المال والجاه.
رأى مَن يقطع الطريق أمام تحرير فلسطين، فيما الفلسطينيون يملأون العراء مشرّدين مكلومين منهوبي الحقوق.
كان سمير يشعر أنّ عليه أن يتحرك، ولو كان وحده، يريد أن يدفع جسده كله داخل فلسطين، لكي يستجيب إلى التفجّر الذي يملأ روحه. يريد أن ينزل إلى فلسطين كي يستقرّ هناك، إما منتصراً وإما شهيداً.
سمير لم يكن قادراً على الصمت أمام المنكرات التي تحصل أمامه، لأنّ كلّ شيء في طريقه إلى الاندثار أمام آلة الحقد الصهيونية مرّة بالسلاح وأخرى بالخداع.
سمير لم يكن قادراً على الصمت أمام مسلسل الخيانات المتواصلة للهوية والأرض والقيم الإنسانية بأقنعة «ضرورات الأنظمة» و«سيادة الدولة العربية» والإسلام المزيف!
سمير لم يكن قادراً على الصمت وفلسطين تُسحق بالقتل والنفي والتخريب والمجازر الجماعية أمام قوى الظلم والجهل أو الطغيان والتجبّر.
لم يكن سمير ممن يرضى لنفسه أن يعيش على ملذات الدنيا. حدّد بوعيه وإيمانه ومسؤوليته والتزامه طريقه إلى المقاومة. لم ينظر إلى الإمكانات والقدرات. نظر إلى نفسه. هل يستطيع أن يفعل شيئاً؟ جاء الجواب: نعم. وطالما أنّ الجواب هو نعم، إذاً فليتحرّك وليحمل السلاح وليتوجّه إلى فلسطين.
في فلسطين يتجاوز قيد الجسد ويكسر سلاسل العجز. سيكون هناك سواء بقي وحيداً أو استُشهد. المهم أنه خرج إلى مصيره الذي يُحبّ. يحمل راية الأمل للأجيال القادمة أن فلسطين لا تُسترَدّ إلا بالقوة.
سيقول لمن تخاذل وانهزم وضعف أنّ حركة المقاومة لن تتوقف باعتراض من هنا ووعيد من هناك. فالحياة تعني أن نكون أعزاء. والحياة تعني أن نكون شجعاناً حين يخيّم الإحباط واليأس والصمت والتخاذل على كيان الأمة.
والحياة تعني أن نكون في موقع الأصالة والنبل والإيمان حين نرى باعة الضمير واللاهثين وراء المال والجاه يزوّرون التاريخ والدين والحق.
سمير أنت الذي حين قيّدك المحتل بقيتَ حراً، وأنت حين تهاوت السياط على جسدك بقيتَ قوياً، وأنت حين تحررتَ عدتَ مقاوماً. وأنت حين واجهتَ الموت اخترتَ أن تكون شهيداً.
سمير، طوبى لك مقاوماً وأسيراً وشهيداً.
(البناء)