المغتصــبـون: تسفي برئيل
إن كل ما يريده عمر ياسين الدليمي (29 سنة) الذي يسكن في مقاطعة ديالي في العراق، الحصول على وظيفة حكومية متواضعة. ومن اجل زيادة فرصه اقترح عليه اصدقاؤه أن يقوم بتغيير اسمه. فاسم عمر هو اسم سني، وفي الاماكن التي تكون فيها القوة الحكومية المسيطرة شيعية، من الافضل اخفاء الهوية السنية. عمر لم يجادل وقام بتغيير اسمه إلى محمد. حسب الموقع العراقي في الشبكة «نقاش» الذي نشر هذه القصة، هذه الظاهرة ليست استثنائية. مئات المواطنين العراقيين السنيين يقومون بتغيير أسمائهم رغم أن هذا الامر ليس سهلا. فوزارة الداخلية العراقية لا تسمح في العادة بتغيير الاسم الشخصي خشية تملص الخارجين على القانون أو الارهابيين من القانون. في حالة واحدة وزارة الداخلية تُظهر رحابة صدر فيما يتعلق بتغيير الاسم وهي عندما يكون اسم الشخص صدام. فقد واجه من كان يحمل هذا الاسم الصعوبات والتحرش بعد حرب 2003.
السنيون في العراق يوجدون في المكانة التي كان يحظى بها الشيعة قبل الحرب. الشيعة الذين كانوا أقلية مطاردة على مدى تاريخ الاسلام – الآن يشكلون نحو 10 بالمئة من اجمالي عدد المسلمين في العالم – سمحوا لأتباعهم توخي الحيطة والحذر من اجل الحفاظ على أنفسهم ومعتقدهم. ويحق للشيعي القول إنه سني بل وأن يُصلي في مسجد للسنة من اجل الحفاظ على نفسه.
هذه التجربة يمر فيها المسيحيون ايضا الذين كانوا محميين في عهد حكم صدام حسين، مثل الحماية التي حظي بها المسيحيون تحت حكم الاسد في سوريا. لكن بعد سقوط صدام حسين وخصوصا بعد سيطرة داعش في العراق وسوريا، تحولت الهوية المسيحية إلى خطر على الحياة. الموصل مثلا أصبحت فارغة من السكان المسيحيين الذين هربوا إلى المناطق الكردية أو إلى تركيا. والمسيحيون في المحافظات السورية التي يسيطر عليها داعش اضطروا إلى تغيير دينهم أو الهرب، هذا اذا لم يتم قتلهم.
كان يعيش في العراق قبل الحرب 1.5 مليون مسيحي، أما اليوم فيعيش هناك 200 ألف مسيحي على الأكثر. وهذا هو سبب دعوة الكنيسة الكلدانية، التي ينتمي اليها معظم المسيحيين في العراق، إلى أن تكون احتفالات الميلاد بدون تفاخر وبدون أصداء، بل «بهدوء، بالدموع والأسى» كنوع من التضامن مع المسيحيين في الشرق الاوسط بشكل عام وفي العراق وسوريا بشكل خاص.
لكن يبدو أن المسيحيين ليسوا بحاجة إلى توصيات الكنيسة. ففي أحياء كثيرة في بغداد يفضلون اخفاء عيدهم بالذات على ضوء اللافتات الملونة التي تم تعليقها في المدينة وتظهر فيها صورة مريم العذراء وعلى رأسها غطاء. وقد طُلب من المسيحيات «تغطية الرأس ووضع الحجاب مثل مريم العذراء».
على مسافة بضعة آلاف من الكيلومترات شمال بغداد، القصة معكوسة، حيث تتحول الهوية المسيحية إلى ميزة تنقذ الحياة. دول مثل سلوفاكيا وسلوفانيا والتشيك أعلنت أنها ستستقبل فقط اللاجئين المسيحيين من الشرق الاوسط. بينما في المانيا لا يوجد بعد تمييز وتصنيف كهذا، إلا أن اللاجئين الذين وصلوا إلى المدن الكبرى في المانيا يقولون إن المسيحي يحصل على معاملة أفضل. في احدى كنائس برلين قال الكاهن هناك إنه وصل مؤخرا إلى الكنيسة نحوا من 200 مسلم طلبوا أن يعتنقوا المسيحية وقاموا بتغيير اسمائهم إلى اسماء غربية. لكن من اعتقد أن هذا سيحل مشاكله فقد اخطأ. فالمسلمون الذين اعتنقوا المسيحية تعرضوا للضرب من المسلمين الذين يعيشون معهم في مخيمات اللاجئين في المانيا. وقد اضطرت عدة عائلات إلى ترك مخيمات اللاجئين بسبب ذلك وفقدت المساعدة التي تستحقها من مؤسسات المساعدة الدولية والحكومية.
مفارقة تغيير الدين تلاحق ايضا المسيحيين الذين هربوا من داعش إلى تركيا، لا سيما الأرمن. بعضهم وجد ملجأ في جنوب شرق تركيا حيث كانوا طُردوا من هناك أو قُتل آباؤهم قبل مئة سنة. وهم الآن يجدون أنفسهم مرة اخرى في محيط تركي معادي ويضطرون إلى اخفاء هويتهم الدينية أو الطائفية خشية الحاق الضرر بهم. وبعضهم يضطر إلى استخدام أسماء مستعارة والتوقف عن الصلاة حتى يستطيعوا ايجاد مكان آمن. ويمكنهم التعلم من الاكراد عن تغيير الاسماء حيث كان هؤلاء ممنوعين من تسمية اولادهم بأسماء كردية في السابق.
الحروب في المنطقة حولت الاسماء احيانا إلى خطر على الحياة. أين يمكن أن ينادوك عمر وأين يمكن أن ينادوك علي أو حسن أو حسين، على اسماء مؤسسي الشيعة. هل محمد اسم جيد أم من الافضل اسم مارتن بعد أن كان اسمك قبل لحظة سليمان؟.
حينما يكون الدين سببا للحرب فيبدو أنه لا حاجة إلى الايمان الحقيقي. فيكفي الاسم الملائم كي تستطيع البقاء حتى الحرب التالية.
هآرتس