سمير القنطار عنوان للحرب: هكذا كان وهكذا سيكون
ناصر قنديل
– الكبار لا يدخلون التاريخ ولا يخرجون من الجغرافيا إلا كباراً، وسمير القنطار واحد مميّز في عالم الكبار هذا، وهو الفلسطيني السوري اللبناني، كما هي طائفته التي سرق البعض تمثيلها ليمنحها هوية العبث واللعب على الحبال والتذاكي بحثاً عن هوية أصغر من جبل لبنان، بينما منحها سمير القنطار هوية الصدق والنخوة والفروسية والشهامة، وهي الصفات التي اتسم بها أجداده العرب الأقحاح الذين كانوا حماة للثغور من يومهم الأول، وهكذا كان، فالفلسطينيون لا ينظرون إلى سمير القنطار إلا واحداً منهم، وهكذا هم السوريون، وهكذا هو اللبناني ابن الجبل الذي كبُر به، وقد صار الجبل جبل العرب مع سلطان باشا الأطرش الذي بدأ حربه مع الفرنسيين دفاعاً عن بطل المقاومة في جبل عامل أدهم خنجر الذي التجأ إليه مطارَداً من الاحتلال الفرنسي، فتصير طائفة الجبل مع سمير القنطار مجدّداً جبلاً للعرب ممتداً على مساحة المثلث اللبناني السوري الفلسطيني. وكما كان سمير القنطار بطل عملية جمال عبد الناصر إلى الجليل من شاطئ صور، وكان جبلاً كبيراً في الأسر، وكان تحريره عنواناً لحرب تموز 2006، يبدو أنّ شهادته ستكون بعد عشر سنين عنواناً لحرب 2016.
– ليس واضحاً بعد ما إذا كانت العملية التي استهدفت سمير القنطار قد تمّت بصواريخ أرض أرض من قرب طبرية، أو بغارات جوية بصواريخ موجّهة بعيدة المدى من أجواء فلسطين المحتلة، أو أنّ اختراقاً للأجواء السورية قد رافق هذه الغارات، وما إذا كانت هذه الغارات قد استخدمت تمويهاً وتسللاً في ممرات تشكل فجوات في أنظمة الدفاع الجوي المرصودة، أو أنها مرّت تحت عين الرادارات من دون أن تشتغل منظومة الصواريخ في مواجهتها بقرار، وما يريد البعض أن يفتحه من نقاش حول التموضع الروسي وما يرافقه من ترسانة دفاع جوي استراتيجية ووظيفتها في ظلّ وجود الـ «أس 400»، وتحويل النقاش إلى تشكيك بصدقية الموقف الروسي واتهاماً له بالتواطؤ وبالتالي ضرب اللحمة المعنوية بينه وبين مقاتلي المقاومة والجيش السوري في ذروة حرب أشدّ ما تحتاج إلى هذه اللحمة.
– لو أخذنا في الأمور أسوأها، وهو أنّ غارات «إسرائيلية» تمّت بطائرات رصدتها الرادارات الروسية وتجاهلتها، أو أنّ روسيا أخطرت عسكرياً بأنّ طائرات إسرائيلية تحلق في الأجواء السورية، فإنّ علينا ووبساطة أن نتذكر أنّ روسيا كدولة عظمى دخلت المجال السوري ضمن معادلات دقيقة وحساسة اقتنصت فيها فرصة وعنوان الحرب التي أعلنها الأميركيون على الإرهاب، وأقدمت على خطوة شجاعة لفرض حضور يعرف الجميع أنه يؤدّي دوراً عملاقاً وجباراً في مواجهة خطر العبث التركي والسعودي في سورية مباشرة، أو بصورة غير مباشرة عبر تبييض «جبهة النصرة» وباقي متفرّعات «القاعدة»، التي اتخذها الروس هدفاً لغاراتهم منذ شهور ثلاثة، ولنسأل أنفسنا منذ متى كان في حسابنا أن يكون لنا غطاء جوي روسي، أو غطاء صاروخي روسي بوجه «إسرائيل»، حتى نجعل من هذا الأمر قضية، يكفي أن يقوم الروس بما يقومون به! وهذا رائع وعظيم! ولنعفهم من الأسئلة والأجوبة وسط معادلات دولية تحكم علاقاتهم المتوترة بالغرب، خصوصاً بأميركا. فهل نتخيّل أن تسقط الصواريخ الروسية طائرات «إسرائيلية»، ولا يتغيّر الموقف الدولي وموقف الرأي العام الغربي من تساهل حكوماته مع هذا الدور، بينما التزام الروس ضوابط مهمّتهم بوجه التنظيمات الإرهابية ومحوّلات العبث الحدودي التركي أو التهديد الجوي السعودي فكافٍ، ولنهتمّ نحن بمعادلاتنا في الصراع مع «إسرائيل»، وفقاً لما كان وما سيكون لو لم يكن الروس قد توضّعوا بيننا؟
– على سوية مماثلة يخرج الذين يندبون بالسؤال عن دور الصواريخ السورية، ولماذا لم تعترض الطائرات وتسقطها أو تحول بينها وبين أهدافها، والسؤال يتجاهل أصلاً ما لحق منظومة الردارات السورية من أذىّ بفعل المعارضة المسلحة المتهمة زوراً بكونها معارضة وطنية، أظهرت كلّ مهارة وكفاءة باستهداف شبكات الدفاع الجوي التي لا صلة بها بمواجهات داخلية، كما أظهرت مهارتها بلعب دور الحزام الأمني لـ«إسرائيل» على جبهة الجولان، هذا عدا عن كون ما تقوم به شبكات الصواريخ المكتملة التموضع والانتشار بشروط محكمة الإغلاق للأجواء، وهذا ليس حال الشبكة السورية المنشأة حديثاً وفي ظلّ الحرب وعدم الإمساك الكامل بالجغرافيا وفقاً لمقتضيات الغاية التقنية لنشر الشبكة، لا يتعدّى تأمين نسبة مئوية لا تصل للكمال ولا تصير عصية على الاختراق، فـ»إسرائيل» أنفقت عشرات المليارات على بناء ما أسمته «القبة الحديدية»، وأقامت عشرات المناورات لتتحقق من فاعليتها ولم تنجح في منع طائرة بدون طيار لحزب الله، ولا باعتراض نسبة النصف من الصواريخ الثقيلة التي أرسلت من غزة نحو تل أبيب والقدس خلال الحرب قبل عامين، وصواريخ الباتريوت المنصوبة لحماية الحدود السعودية مع اليمن لم تنجح في ضمان أمن المناطق الحدودية من الصواريخ الباليستية، ما يعني أنّ النقاش الوحيد المنطقي والمقبول هو فقط ما يتحدّث عن الردّ أو اللا ردّ، وما عداه لغو فارغ وتوهين سخيف يفتقد إلى الحدّ الأدنى من الفهم والنضج.
– العملية «الإسرائيلية» أمام هدف بحجم سمير القنطار تستحق المغامرة والمخاطرة، ربما تكون قد حسبت الحساب للردّ المتوقع، وقرّرت امتصاصه دون الذهاب إلى الحرب، كما حدث بعد عمليتي القنيطرة لاغتيال الشهيد جهاد مغنية ورفاقه والردّ عليها بالعملية النوعية في مزارع شبعا، وربما يكون العكس، فتكون «إسرائيل» قد قرّرت الردّ على الردّ وترك الأمور تتصاعد نحو حافة الحرب، أو ربما يكون الذهاب إلى الحرب نفسها لم يعد خطاً أحمر إسرائيلياً، والاستعدادات الإسرائيلية بعد العملية تقول إنّ الأقرب للتوقع هو التحسّب للردّ والذهاب للردّ على الردّ، وربما الذهاب إلى الأبعد، كما يقول الإعلان عن تحليق الطيران الحربي في سماء جنوب لبنان مزوّداً بتعليمات استهداف فوري لكلّ منصة صواريخ، ومعلوم أن لا منصة ستراها الطائرات، كما هو معلوم أنّ التهويل لن يردع المقاومة عما تنوي القيام به، لكن المغزى السياسي هنا واضح لجهة إعلان النية الإسرائيلية قبول صعود سلم التصعيد، فما الذي جرى؟
– أربعة عوامل تحيط بالموقف الإسرائيلي العاجز عن حرب تنتهي بنصر حاسم وعن تسوية بوجه انتفاضة تتصاعد، الأول ينطلق من قراءة عمرها من عمر توقيع التفاهم النووي مع إيران، لمسار عام للمنطقة، يتعزز كلّ يوم يؤكد أنّ خيار التسويات هو الغالب، وأنّ مَن يضع نفسه في مواجهته من سورية إلى اليمن ولبنان والعراق سيدفع الثمن، ومن يبق خارجه سيُعزل، فيما «إسرائيل» عزلاء من أوراق الحضور في التسويات وعاجزة عن تحمّل البقاء خارجها، وتحتاج تطوراً دراماتيكياً يدخلها على خط هذا المسار. أما الثاني فهو أنّ حلف «إسرائيل» الإقليمي يتبدّد من ضعف السعودية واضطرارها لوضع قدمها الأولى على سلم التسويات في اليمن، إلى خسارة الحزام الأمني بتصنيف «جبهة النصرة» على لوائح الإرهاب وفشل محاولات دمجها في العملية السياسية السورية، بينما تركيا مهزومة بعد التموضع الروسي الجديد في المنطقة، وها هي خارج الحرب في سورية وتضطر للانسحاب من العراق، لتنظر «إسرائيل» نحو تركيا كثمرة نضجت وحان قطافها فتقطفها، ولكن الخيار يفترض أن تكون له مترتبات على معادلات المنطقة، ولأنّ الشيء بالشيء يُذكر، فتركيا التي توقع اليوم اتفاقية للغاز مع «إسرائيل»، كبديل للغاز الروسي، وقعت قبل عام 2006 اتفاقية عكسية لمدّ «إسرائيل» بالنفط، في المسار نفسه لخط الغاز، وكلاهما تتوقفان على النجاح في حرب تمنع المقاومة اللبنانية من التأثير على المسارات البحرية أما المتغيّر الثالث فهو تبلور موقف أميركي سعودي يتكامل مع «إسرائيل» بتبني مقاربة عدائية لحزب الله تضع فرضية تحجيمه وإضعافه إذا تعذَّر سحقه، كخيار لتحسين شروط التسويات وفرضياتها، وفيما بدأ الأميركيون والسعوديون تنفيذ التزاماتهم صار على «إسرائيل» القيام بما يحفز هذه الجبهة العدائية ويقدّم ما يلزم لتفعيل أدائها، من جهة، وتسديد الفواتير التي تستوجبها من جهة مقابلة أما العامل الرابع فهو ما تعرفه «إسرائيل» بالمعلومات عما تمّ التفاهم حوله بين موسكو وواشنطن حول ربط مستقبل سورية والحلّ السياسي فيها ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما بدأت ترجمته عبر القرار الأممي الخاص بالحلّ في سورية، فهل ستنتظر «إسرائيل» نضوج التسويات والرئيس السوري محاط بحلف ممتدّ من روسيا إلى إيران، وإلى جانبه حليف قوي مقتدر يستهدف وجود «إسرائيل» هو حزب الله، أم عليها التسريع بروزنامة تفعل ما يجب لجعل مسار التسويات مانعاً لحرب تراها آتية ولو بعد حين، وإنْ كان الثمن حرباً راهنة مكلفة يتوّجها قرار يشبه القرار 1701 على المستوى الإقليمي؟
– الأكيد أنّ فرضية ذهاب إسرائيل للحرب، يضعها حزب الله في حساباته، لكن الأكيد أنّ هذا لن يجعله يصرف النظر عن الردّ، فالمقاومة ستردّ لألف سبب وسبب، والأكيد أنّ الردّ سيضع في حسابه خيار الحرب، والأشدّ تأكيداً أن الحرب مفاجآت.
(البناء)