من هو صهيوني! : عميره هاس
«يجب علي تحذيركم، عميره هاس صهيونية»، كتبت ناشطة مؤيدة للفلسطينيين في جنوب افريقيا قبل شهرين. وعندما خرجت من الغرفة قالت عيونها إن ما قلته في حوار معها ومع اصدقاء لها كان خروجا عن النص.
مثلا لم أقدم التحية لحل الدولة الواحدة السحري. لم أُعرف الحروب ضد غزة كتطهير عرقي. وقلت ايضا لاولئك النشطاء إنه لا يكفي تحليل جذور إسرائيل الكولونيالية. يجب أن نشمل في السياق التاريخي ايضا القتل النازي وحقيقة أن دول العالم رفضت في اغلبيتها استيعاب اللاجئين اليهود بأعداد كبيرة.
يبدو أن الامر الذي أغضب كثيرا هو أنني تجرأت على القول بأن استخدام السلاح لا يخدم النضال الفلسطيني اليوم. وليس بسبب هويتي الإسرائيلية. أنا أنتقد تقديس الكفاح المسلح، انطلاقا من موقفي الاشتراكي الذي يساند المرأة. وتحدثت عن ظاهرة تقليد القتل الذكوري (بين الجنود وبعضهم البعض وبين الفلسطينيين والجنود). قدرتهم على الانتقام تدميرية أكثر. لذلك يجب ايجاد آفاق اخرى للنضال. توجد مسؤولية نضالية لمنع المزيد من الدمار والخراب، وليس فقط فهم الحاجة الانسانية للانتقام.
لكل جمهور أقول ما لا يرغب في سماعه. للصهاينة أقول إن قلة العنف الفلسطيني مفاجئة مقارنة مع العنف المنهجي والمُهين الذي تقوم به السلطات الإسرائيلية. وفي مؤتمر داعم للفلسطينيين في هولندة قلت قبل عامين إنه لا يمكن التغاضي عن الصلة الدينية بين اليهود وبين الاراضي المقدسة.
وهنا ايضا تمت معاقبتي بنظرات الاستهجان. وكأنني لم أكتب أبدا ضد سياسة الاقتلاع والطرد. وفي لقاءات مع شبان صهاينة اشتراكيين في جنوب افريقيا قلت لهم أن لا يهاجروا إلى إسرائيل. هم مثل باقي البيض ما زالوا يتمتعون من امتيازات الماضي بحجم جنائي. لهذا فليبقوا في ارضهم ويناضلوا ضد الجريمة والتمييز العنصري، واستغلال الاعتراف الكامل بالحقوق الزائدة والهجرة إلى إسرائيل ـ هذا يعني المشاركة في جريمة اخرى. قلت جملة مشابهة في مؤتمر «هآرتس» في نيويورك في الاسبوع الماضي حول موضوع الصراعات من اجل المساواة. وكان الجمهور صهيوني ليبرالي.
شدد ممثلو الصحيفة على أن صحيفة «هآرتس» هي صهيونية وأن مقاومة الاحتلال تنبع من مباديء صهيونية. ووجدت من المناسب أن أميز نفسي عن هذا الموقف. الصهيونية تشجع على هجرة اليهود من الشتات إلى إسرائيل. ليعرف كل يهودي صهيوني ليبرالي يعيش برفاه في الشتات أنه ايضا بدون الهجرة إلى إسرائيل فان له حقوق ممنوعة عن الفلسطينيين الذين ولدوا في البلاد أو آباءهم ولدوا فيها. لديه أو لديها الحق بالزيارة والحصول على المواطنة والسكن والعمل في جانبي الخط الاخضر والتزوج من إسرائيلي أو إسرائيلية والتجول بين الولايات المتحدة والبلاد وعدم فقدان الحقوق في الدولتين.
كل ما تمنحه إسرائيل ليهود الشتات تحرم الفلسطينيين منه. معظم الفلسطينيين الذين يعيشون في الخارج ليس من حقهم زيارة البلاد وزيارة أمهاتهم وجداتهم (الحقيقيات وليس الوهميات منذ ألفي عام). ومن يُسمح له بالزيارة يخضع للقيود: البعض ممنوع من الخروج من الضفة والبعض ممنوع عليه دخول الضفة. والجميع ممنوع عليه السفر إلى القطاع. إسرائيل تمنعهم ليس فقط من العودة إلى بلادهم بل ايضا الاستثمار في الضفة. الفلسطينيون الذين هربوا أو يحاولون الهرب من سوريا لا يستطيعون أن يحلموا بأكثر الامور منطقية: العودة إلى وطنهم الاصلي.
كلما منعت إسرائيل الفلسطينيين في القطاع من السفر: إلى الخارج، إلى إسرائيل، إلى الضفة الغربية. تمنعهم من العيش في الضفة الغربية وتمنع الفلسطينيين في الضفة من السكن في حوالي 60 بالمئة من المناطق فان يهود بروكلين وتل ابيب يستطيعون السكن غدا في عوفرا. سكان سلواد الذين صودرت اراضيهم لصالح عوفرا، لا يحق لهم السكن في يافا أو اقامة سكن في القدس، وسكان القدس يطردون من البلاد ويفقدون اقامتهم إذا تزوجوا أو عملوا في الولايات المتحدة. بالمناسبة، إسرائيل تمنعهم من السكن في كفر قاسم وبئر السبع. عليهم أن يعيشوا فقط في غيتوات خصصناها لهم في المدينة الموحدة.
إسرائيل تستخدم الهجرة اليهودية لتبرير الاقتلاع وتعميقه. المهاجر إلى إسرائيل يتحول إلى متعاون مع سياسة التمييز العنصري الآخذة في الازدياد. التمييز العنصري تم تعريفه على أنه جريمة. نحن الذين ولدنا في البلاد متعاونون رغم أنفنا. وما بقي لنا هو استخدام امتيازاتنا من اجل محاربة النظام الذي يقدم الامتيازات وتقليص التعاون والتجاوب مع الاقتلاع. هذه ليست طريقة مميزة في العمل. إسرائيل ليست النظام السيء الوحيد في العالم الذي يعطي الحقوق للبعض ويأخذها من البعض الآخر. لكن إسرائيل بيتنا دون أن نقرر نحن ذلك.
هآرتس