مقالات مختارة

الأتراك يتلاعبون بالأوروبيين: ورقة اللاجئين لا تُقَدَّر بثمن! وسيم ابراهيم

 

الكثير يُقال، ابتسامات وقُبَل، ولا شيء ينفذ عملياً. قاعدة تحكم الآن مساومة الأوروبيين مع تركيا لوقف تدفقات اللجوء. خطة العمل المصادق عليها، قبل أسبوعين تقريباً، بقيت حبراً على ورق. مع ذلك، تعيش القيادة التركية مرحلة من الاستجمام الأوروبي، تطلب فيها وتتمنى؛ بفضل اللاجئين الذين تحتجز مصيرهم، تساوم بهم، باتت في موضع تفاوضي لم تحلم به يوماً.

إذا كانت المسألة تتعلق بملء جدول فارغ باللون الأزرق، نسبةً لعلم الأوروبيين، على طريقة لعبة جمع تشكيلة من الصور، فيمكن للقيادة التركية أن تربح الجائزة. أجندتها صارت مليئة من الآن. أما إذا كانت القضية حول الثمن الذي تطلبه، فهي مستمرة في جس نبض الأوروبيين. ليس معروفاً بالضبط ما الذي ترسم له، مكاسب عملية مباشرة أم قضايا أبعد تطبخها على نار هادئة. لكنهم يقولون لها إنها لن تقبض شيئاً حتى يرونها بأعينهم تغلق البوابة أمام سيل اللجوء الذي حركته باتجاههم.

في بروكسل، فُرِش السجاد الأحمر مجدداً لرئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو. نهاية الشهر الماضي، جاء إلى قمة أوروبية قيل بعدها إن الصفقة تمت، وكل طرف يعرف ما هي مسؤولياته. أمس، تكررت القصة ذاتها. هذه المرة، لم يجتمع أوغلو بزعماء دول الاتحاد الثماني والعشرين، بل دُعي إلى قمة مصغرة، سبقت قمتهم العادية، مع ثماني دول أوروبية.

الاجتماع الذي نظمته النمسا بات يضم مجموعة تسمى «مجموعة الراغبين» في إنجاز اتفاق سريع، والمستعدين أيضاً للدفع المباشر حين التأكد من وجود صفقة فعالة. إلى جانب تركيا، حضرت ألمانيا، النمسا، بلجيكا، لوكسمبورغ، فنلندا، السويد، اليونان وهولندا.

كان هناك قاسم مشترك بين الأوروبيين الإيجابيين تجاه الاجتماع، تحت ضغط حاجتهم، وأولئك الذين لم تمنعهم الحاجة من التعبير عن خيبتهم. المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تحدثت عن لقاء «إيجابي جداً»، لكنها ذكرت أن المحادثات مع أنقرة تتركز حول تخفيض «قوي ومعتبر» لتدفقات «غير شرعية».

تقترح برلين، كحوافز إضافية، الاتفاق على برنامج إعادة توطين للاجئين من تركيا إلى الدول الأوروبية، يستفيد منه السوريون على وجه الخصوص. لكنها، مع آخرين، تقول إن تنفيذ حزمة الحوافز تنتظر أفعال تركيا.

هناك من لم يستطع إخفاء ضيقه. المستشار النمساوي فاير فايمان يواجه وضعاً سياسياً حرجاً للغاية. تنامي اليمين المتطرف مستمر، بشكل بات يهدد حكم الأحزاب التقليدية، سواء حزبه الديموقراطي الاشتراكي أم ممن ينافسونه من اليمين الوسطي. رغم حاجته الماسة لتعاون أنقرة، لكنه قال إن «هناك تناقضاً بين ما يقال وما يفعل، نحتاج إلى أفعال، وليس إلى كلمات».

لكن القيادة التركية سعيدة بالكلمات، بالصور الجماعية والغزل المفتعل، من دون أن تطلب أفعالاً محددة ونهائية من الأوروبيين. كل هذا يقدم على شكل إنجازات لناخبي حزب «العدالة والتنمية»، مع محاولة لإبهار الأتراك بقوة النفوذ الجديدة التي يمتلكها الآن حكامهم. قال أوغلو بعد الاجتماع مع الأوروبيين إن ما حققته بلاده مع الاتحاد الأوروبي، خلال الأشهر الماضية، بات «يفوق ما تم تحقيقه خلال 14 سنة»، في إشارة لمسيرة الانضمام إلى التكتل.

لم ينسَ التذكير بلقائه مع نظيره اليوناني ألكسيس تسيبراس، ليتحدث عن أهمية علاقات تشكل برأيه صمام أمان لشرق المتوسط. رغم الحديث عن الصداقة الدافئة، لكن يبقى أن أثينا من أكثر الدول الأوروبية صرفاً على الدفاع والتسلح بسبب خلافها التاريخي مع تركيا حول تقسيم قبرص. لكن أثينا باتت مكبلة تماماً الآن بسيل اللجوء التركي، وبعض مسؤوليها قالوا إنها لن تتمكن من التقدم خطوة مهمة، لإدارة قضية التدفقات، من دون تعاون تركيا. تسيبراس قال بدوره إن المرحلة الآن هي «لمزيد من التعاون لتقليل التدفق لمن هم غير لاجئين»، قبل أن يضيف: «مستعدون للعمل عن قرب أكبر مع تركيا».

سيحصل أوغلو على مزيد من الصور لألبوم الفخر الذي يقدمه لمواطنيه. خلال الشهرَين المقبلَين، ستعقد دزينة من الاجتماعات المختلفة، على كل المستويات. مجلس الشراكة الألماني ـ التركي، ثم مجلس الشراكة التركي ـ اليوناني، كما ستعقد اجتماعات ثلاثية مع اليونان وبلغاريا لدراسة مشاريع اقتصادية مشتركة.

هولندا دعت لقمة جديدة مع أنقرة في شباط، قبل قمة أوروبية عادية، ليكون ذلك الموعد بمثابة «الموعد الأقصى» لرؤية تطبيق تركيا لتعهداتها، كما قال مصدر أوروبي لـ «السفير» اطلع على المداولات مع أنقرة أمس؛ أوضح أن أجواء القمة المصغرة أظهرت أنه «ليس هناك شيء معتبر يمكن الحديث عنه»، معتبراً أن الاجتماع كان «محاولة لإعادة التأكيد أننا نحتاج من تركيا القيام بما اتفقنا عليه، لكن الاتفاق هو حزمة كاملة، لن ننفذ شيئاً حتى نتأكد أن التدفقات ليس لم تقل فقط، بل نزلت إلى الصفر».

الزعماء الأوروبيون تلقوا تقارير خلال القمة تؤكد أن أنقرة لم تفعل شيئاً يذكر. أحد التقييمات اعتبر أن تراجع حجم التدفقات، إلى نحو أربعة آلاف لاجئ يومياً، يعود إلى الأحوال الجوية السيئة أكثر من كونه نتيجة جهد تركي. ما فعلته أنقرة كان نوعاً من استعراض القدرة، كما قال ديبلوماسي أوروبي لـ «السفير»، موضحاً أن «الأتراك قاموا بعد الاتفاق معهم بحملة مباشرة على المهربين واعتقلوا لاجئين، لكن هذا حصل لمرة واحدة وتوقف، إنهم يقولون لنا نحن قادرون على ذلك، لكننا نحس أنهم يدرسون زيادة حزمة مطالبهم باستمرار».

الأوروبيون تعهدوا لأنقرة بتقديم ثلاثة مليارات يورو، على أن تصرفها لتحسّن ظروف التعليم والمعيشة للاجئين السوريين. يبدو أن الأموال ستأتي أساساً من «مجموعة الراغبين»، إذ إن الآخرين لم يظهروا أي رغبة في المساهمة، كما أن مواقفهم المتحفظة تجاه مطالب أنقرة تجعل التحرك لإتمام الصفقة متعثراً. هذه الدول، بالمجمل، تبدي حساسية من تسريع عملية انضمام تركيا، حتى لو كان أفق انتهائها ليس أكيداً، كما تمانع إعطاءها اتفاقية لتنقل مواطنيها إلى أوروبا من دون تأشيرة دخول.

بعض التكهنات سرت بامتداد المساومة التركية لقضايا حربها السورية، لتشمل شراء دعم الأوروبيين لإنشاء المنطقة «الآمنة» أو «المغلقة». لكن ديبلوماسياً أوروبياً يعمل على ملف العلاقات الخارجية قال لـ «السفير» إن ذلك «غير ممكن»، موضحاً أنه «قلنا دائما إن موقفنا لم يتغير، المنطقة الآمنة أو المغلقة غير واقعية، نحن نعتقد أيضاً أنه لا يمكن تنفيذها من دون قرار من مجلس الأمن، لذلك يصير الأمر مستحيلاً».

الخطة الأوروبية لإنشاء وكالة حدودية مشتركة يبدو أنها تسير بدعم متزايد. البعض متحفظ على التخلي عن مسألة تمس صميم سيادة الدولة، لكن كثيرين لا يرون بديلاً آخر. رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك تحدث عن إشكالية اقتراح تدخل الوكالة لضبط حدود دولة رغم إرادتها، إذا لزم الأمر، لكنه أردف ذلك بالتحذير: «إذا رفضنا هذا المقترح علينا إيجاد آخر، لكني خائف أنه سيكون حلاً مؤلماً بالدرجة نفسها».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى