مقالات مختارة

نزف النفط السوري: من «الجيش الحر» إلى «داعش» صهيب عنجريني

 

بدأ النزف الفعلي للنفط السوري في عام 2012. بدأ الأمر بخروج الآبار والحقول من الخدمة نتيجة المعارك الدائرة، قبلَ أن تبدأ مسيرة نهب النفط وتهريبه. «ألوية وكتائب» تابعة لـ«الجيش الحر» مهّدت، ثمّ دخلت على الخط بعض القوى العشائريّة قبل أن تلتفت «جبهة النصرة» وحلفاؤها في «الجبهة الإسلاميّة» إلى الكنز. أخيراً، سيطر «داعش» على المشهد، بدعم تركي من الألف إلى الياء

في شهر تشرين الثاني 2012، نشرَ ناشطون معارضون مقاطع فيديو تُظهر نقل حفّارات بترول من الأراضي السوريّة إلى تركيّا عبر معبر باب السلامة الحدودي. العمليّة تمّت حينها على يد مسلّحي «لواء عاصفة الشمال» البائد (كان يتبع للجيش الحر) الذي أعلن أنّ الحفّارات «في طريقها إلى تركيّا كي تتسلمها حكومة دولة قطر، بعد تحريرها».

كان «عاصفة الشمال» قد سطا على جزء من الحفّارات، كما قامت «ألوية وكتائب» أخرى بتسليمه جزءاً منها بعد السطو عليها من مواقع عدّة. «الداعمون» كلّفوا «عاصفة الشمال» الذي كان أقوى المجموعات المسيطرة على المعبر بنقل «الغنائم المحرّرة». لم تكن عمليّات نهب النفط السوري قد بدأت بشكل منظّم بعد، وخضعت الحفّارات المذكورة لعمليات الصيانة اللازمة قبل أن توزع على «لجان تجاريّة» هي في واقع الأمر أذرعٌ تنفيذيّة لمافيات تولّت سرقة و«تسويق» النفط السوري، ولا تزال. سريعاً، أعيد نقلُ الأدوات اللازمة إلى المواقع النفطيّة السوريّة، وبدأت عمليات الاستخراج بالتنسيق مع «الكتائب» المُسيطرة (ومن بينها «جبهة النصرة، تنظيم القاعدة في بلاد الشام»). بعدها بأشهر، وتحديداً في نيسان 2013، أقرّ الاتحاد الأوروبي «السماح باستيراد النفط من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السوريّة». بطبيعة الحال، لم تجرِ عمليّات «تصدير» رسميّة استناداً إلى القرار المذكور، فالسيطرة على المواقع النفطيّة جرى تداولها بين عدد من المجموعات المسلّحة التي لا واجهات سياسيّة لها، قبل أن يستقرّ معظمُها تحتَ سيطرة تنظيم «الدولة الإسلاميّة» المُتوافق من قبل جميع الأطراف على تصنيفه إرهابيّاً.

ورغم أن سوق النفط المنهوب لم يتوقّف كليّاً على امتداد الحرب، غير أن المعارك التي دارت حول آبار النفط سواء في ما بين القوى العشائريّة والمحليّة، أو في ما بين «الكتائب والألوية» خلقت نوعاً من «اللّااستقرار الاقتصادي». وهو أمرٌ سرعان ما حسمتهُ سيطرة تنظيم «الدولة الإسلاميّة» على الآبار في محافظتي دير الزور والرقّة، وأجزاء من محافظة الحسكة، في مقابل سيطرة مستقرّة للفصائل الكرديّة على باقي آبار الحسكة. وكان لاستتباب هذه السيطرة «أثرٌ إيجابي» على ضمان استقرار سوق النفط المهرّب.

«داعش» وأنقرة كسبا السباق

السيطرة على نفط دير الزور تحديداً كانت ميداناً لتسابقٍ بين أطرافٍ عدّة، استخدمَ كلٌّ منها أذرعاً خاصّة به. «الحلقة الأضعف» في هذا الصراع مثّلتها الدولة السوريّة التي حاولت الاعتماد على بعض القوى العشائريّة المحليّة، فعقدت معها اتفاقاتٍ لضمان استمرار إنتاج النفط وضخّه إلى مناطق سيطرة الدولة في مقابل مبالغ شهريّة ثابتة. أُبرمت تلك الاتفاقات تحت مسمّى «عقود حماية مع المجتمع الأهلي» تهدف إلى «ضمان أمن وسلامة المنشآت»، وإعادة «ضخ النفط عبر الخطوط». لكن، وفي تصريحات أدلى بها إلى صحيفة «الوطن» المحليّة، أقرّ وزير النفط في أيار 2014 بفشل الهدف الأخير. أمّا ضمان الأمن والسلامة، فقد أمسى فعليّاً من المنسيّات بعدما تحوّلت معظم الآبار النفطيّة إلى أهدافٍ «مُباحة» لمختلف أنواع الطائرات التي تزدحم بها السماء السوريّة. وبمعنى آخر، فإنّ المبالغ التي دفعتها الحكومة السورية وفقاً لتلك العقود (وهي مبالغ لم يُكشف عن حجمها) قد دُفعت من دون طائل. الدوحة والرياض بدورهما كانتا قد دخلتا ذلك السباق غير المُعلن تحت شعار «تمكين قوى المُعارضة من الإفادة من نفط المناطق المُحرّرة». تحت هذا العنوان، قرّر الاتحاد الأوروبي «السماح بشراء النفط من الثوار السوريين»، تمهيداً لـ«توحيد القاعدة المالية لقوى المعارضة». بطبيعة الحال، لم تتوحّد «القاعدة الماليّة» ولا تمكنت المجموعات المسلّحة من التوافق على صيغة ثابتة للسيطرة على النفط السوري. وهو أمر من السهل معرفة سببه: «تبعيات المعارضة (بشقيها السياسي والمسلّح) لحكومات إقليميّة ودوليّة عدّة»، وكان طبيعيّاً أن يستمرّ التنازع على آبار النفط بين «الجيش الحر» و«جبهة النصرة» و«الهيئات الشرعيّة للمناطق»، ومسلّحي العشائر… إلخ. هذه المعطيات عزّزت الحاجة إلى جهة قويّة قادرة على بسط سيطرة مستقرّة تضمنُ استمرار «العمليّات النفطيّة». الحصان الأسود كان حاضراً في الوقت المناسب، و«الحرب الأهليّة الجهاديّة» التي كانت مستعرةً بين «داعش» من جهة، و«جبهة النصرة» وحلفائها من جهة أخرى، سرعان ما أُعيد توجيه بوصلتُها نحوَ الشرق («الأخبار»، العدد 2257). كان التنظيم قد خسر مناطق سيطرته هناك، قبلَ أن يعيد ترتيب صفوفه ليتوجّه عمر الشيشاني على رأس ألفي مسلّح إلى دير الزور، بمُباركة ودعمٍ تركيّين كاملين (وغير مُعلنين) هذه المرّة. وعلى الرغم من التزام «النصرة» الصمت إزاء ذلك السلوك التركي حينها، غيرَ أنّ أبو عبدالله الشامي (محمّد عطّون) أحد أبرز «قادتها الشرعيين» أقرّ قبل أشهر بهذه الحقيقة، بعدما ثبُت تراجع حظوظ «جبهته» في حسابات مصالح «العدالة والتنمية» (راجع «الأخبار»، العدد 2685) يؤيّد «قائد عسكري سابق» في «النصرة» كلام عطّون. المصدر (وهو أحد أبناء دير الزور) يوضح لـ«الأخبار» أنّ «كثيراً من المعطيات كانت تشير بوضوح إلى دعم تركي لداعش، لكنّ القادة المركزيين للنصرة صدّقوا حينَها أنّ هذا الدعم ليس ناجماً عن سياسةٍ مقصودة، بل وليد مصالح لبعض أجنحة السلطة». المصدر نفسه أكّد أنّ «الحقائق صارت جليّة في ما بعد. كان داعش ضمانة لاستمرار مصالح المافيات التركيّة أكثر من سواه، وهذه المافيات مرتبطة بالسّلطة طبعاً».

(الأخبار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى