التحايل الأميركي يتواصل
غالب قنديل
منذ انطلاق الحملة الجوية الروسية المساندة للجيش العربي السوري في القتال ضد العصابات الإرهابية صعدت موسكو من وتيرة تحركاتها السياسية والدبلومامسية تحت عنوان توحيد الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب وقدمت تصورها حول المسار السياسي السوري على نطاق واسع من خلال المباديء التي سبق ان طرحها الرئيس فلاديمير بوتين بالتفاهم مع الرئيس بشار الأسد والتي تقوم على اعتبار مكافحة الإرهاب في سورية اولوية حاسمة تقتضي وقف جميع عمليات إرسال السلاح والمال والمسلحين عبر الحدود الأردنية والتركية وهو التدبير الذي تضمنته قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي نتيجة ضغط روسي كثيف وما تزال تلك القرارات حبرا على ورق بفعل الإصرار الأميركي على قيادة عمليات الإمداد المتواصلة بالشراكة مع حكومات قطر والسعودية وتركيا والكيان الصهيوني .
اولا يسيطر الارتباك على الولايات المتحدة التي تخشى التصادم الكبير مع القوة الروسية المندفعة وفي ظل حزم روسي اظهره تعامل موسكو مع الاستفزاز التركي بإسقاط الطائرة الحربية الروسية وهو عمل لم يكن بعيدا عن كونه اختبارا أميركيا بالواسطة .
فقد أكد الرئيس فلاديمير بوتين أن التنسيق الأميركي الروسي في سورية يشمل إبلاغ الأميركيين بنطاق تحليق الطيران الروسي وتوقيت عملياته في الأجواء السورية ضمن اتفاق ثنائي لتحاشي الاصطدام وهو ما أوحى مباشرة بتسريب اميركي متعمد للمعلومات أتاح لأردوغان إعطاء الأمر بإسقاط الطائرة الروسية وبالتالي فقد كانت الردود الروسية القاسية اقتصاديا وسياسيا على التحرش التركي بمثابة رسالة إلى واشنطن التي ظلت في الخلف تراقب مسار الأزمة وتفاعلاتها وتقيس الردود والتدابير الروسية التي تصاعدت ميدانيا بضرب مواقع العصابات التي تشغلها المخابرات التركية في الشمال السوري وباستهداف منظم وواسع لمعاقل داعش ولأساطيل شاحنات تهريب النفط السوري المسروق إلى تركيا وبالكشف عن بعض المعلومات والوثائق حول التورط التركي في تمويل داعش والشراكة معها في تسويق النفط.
ثانيا الإرتباك الأميركي يتواصل ومعه يستمر تحايل الإدارة الأميركية سياسيا بينما تتواصل إرساليات دعم العصابات القاعدية التي تلقت صواريخ متطورة اشتراها مسؤولون سعوديون وقطريون من كرواتيا واوكرانيا وبعثوا معها بكميات من الأموال للعصابات التي شاركت في لقاءات الرياض وكلفت بتنفيذ عمليات عدوانية جديدة على الأرض لاعتراض تقدم الجيش العربي السوري الذي يحقق تقدما ملحوظا في جميع ميادين القتال بالشراكة مع حلفائه من المقاومة اللبنانية والوحدات الشعبية المقاتلة التي تواكب القوات النظامية التي تعززت معنوياتها وتم تزويدها بأسلحة متطورة في حصيلة إعادة الهيكلة التي تقوم بها القيادة العسكرية السورية بالشراكة مع خبراء ومستشارين من روسيا وإيران وحزب الله.
التعبير السياسي الأوضح عن الارتباك الأميركي يظهر في كل مرة يزور فيها جون كيري العاصمة الروسية منذ عام 2012 والمرة الأخيرة قبل أيام قليلة خرج كيري ليطلق واحدة من أقوى اكاذيبه المعروفة عندما اعلن ان حكومة الولايات المتحدة لاتسعى للإطاحة بالرئيس بشار الأسد والأصح هو انها عاجزة عن ذلك. هذا التصريح يعبر عن أجواء الاجتماعات المغلقة فقد قوبل كيري بالموقف الروسي الرافض بقوة لأي محاولة التفاف تستهدف الرئيس السوري وحيث يتمسك القادة الروس بعبارة رددها الأسد منذ عام 2011 وهي ان الشعب السوري هو الذي ينتخب رئيسه ويقرر مستقبل بلاده بدون أي تدخلات خارجية من أي جهة كانت وهذا ما جهدت الولايات المتحدة لاعتراضه ولمنع واجهات عملائها من حكومات حلف العدوان والجماعات السياسية المرتبطة بها من التسليم به في أي مفاوضات حول الوضع السوري .
ثالثا الأكيد ان الولايات المتحدة التي تجاهر بالرهان على استنزاف روسيا وحلفائها في الميدان السوري تحاول الالتفاف على الشرط الروسي المتمثل بتجفيف موارد الإرهاب وهي تقف خلف حكومات العدوان الإقليمية التي ما تزال تؤدي دورها الداعم للإرهابيين بجميع مصنفاتهم من داعش إلى جبهة النصرة والفصائل الأخرى لتنظيم الأخوان المسلمين كجبهة احرار الشام وجيش الفتح وجيش الإسلام وغيرها من مئات اليافطات التي تعبر عن جوهر واحد هو القاعدة ونهجها الإرهابي الدموي والتكفيري الذي انتجه تنظيم الأخوان العالمي بالشراكة مع المدارس الوهابية منذ حرب افغانستان في ثمانينات القرن الماضي .
التحايل الأميركي يقوم على مبدأ التهرب المنظم من الإقرار بالفشل والهزيمة والسعي لإطالة امد الحرب على سورية وليس في تصريح كيري غير المزيد من النفاق امام الحزم الروسي السياسي والعسكري الذي ألحق فضيحة مدوية بتحالف اوباما الذي أعلن بشعار الحرب على داعش وتكشف عن خطة احتواء لهذه القوة الإرهابية المتوحشة التي شارك المخططون الأميركيون وقادة دول الناتو وكل من السعودية وقطر وتركيا في إطلاقها وتجهيزها واستثمارها على أرض العراق ثم في سورية منذ صياغة مساعد بتيرايوس الجنرال جون ألين لخطة الإمارة السلفية في شرق سورية امتدادا إلى الموصل والأنبار ورغم استقالته رسميا ما يزال الجنرال ألن يشغل منصب المستشار الأول للحملة على داعش في مفارقة تكليف من درب الوحش بترويضه وبالتأكيد دون القضاء عليه.