مقالات مختارة

عون للحريري: انا الاقدر على اقناع نصرالله لتعود رئيسا للحكومة ابراهيم ناصرالدين

 

في احدى جولات التفاوض الماراتونية بين رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون ورئيس تيار المستقبل سعد الحريري، اختار الاخير الذهاب مباشرة الى صلب الموضوع، وتوجه الى «الجنرال» بسؤال واضح مفاده «اذا مشيت انا بترشيحك لرئاسة الجمهورية شو المقابل الذي احصل عليه»، لم يتاخر عون بالاجابة ودون اي عناء تفكير قال له بالصراحة نفسها «اذا حصل ذلك سأدعم ترشيحك لتولي منصب رئيس الوزراء في بداية عهدي»، تراجع الحريري الى الوراء مستغربا الى حد «الاندهاش»، ورد قائلا جنرال انا ممثل السنة في لبنان، ولدي اكبر تكتل نيابي، ووجودي على راس الحكومة ليس منة من احد، والامر ليس خاضعا للتفاوض كي يكون هذا الامر مطروح كثمن مقابل وصولك الى بعبدا». استغرب «الجنرال» كيف يعتقد الحريري ان رئاسة الحكومة حق مكتسب له بناء على تمثيله المذهبي بينما يفاوضه على الرئاسة ويطالبه «بثمن» مقابل دعمه، فرد عليه قائلا «من قال لك ان عودتك الى رئاسة الحكومة امر مفروغ منه، «طول بالك» انا كرئيس جمهورية وانطلاقا من العلاقة القائمة مع حزب الله قد اكون الوحيد القادر على اقناع السيد حسن نصرالله بعودتك الى رئاسة مجلس الوزراء، «طريق السراي» ليس معبدا امامك ثمة الكثير من الامور التي تحتاج الى تفاهمات، شكلك «حاسبها غلط»…..

هذا جزء من الحوارات الطويلة بين الرجلين، تكشف عنها اوساط قيادية بارزة في فريق 8آذار، لشرح جزء من اسباب دخول التسوية الرئاسية الاخيرة بين رئيس تيار المردة سليمان فرنجية «وزعيم» المستقبل في «موت سريري» بانتظار ان يقرر طرفيها او احدهما نزع «انابيب الاوكسجين» عنها تمهيدا لنعيها. انها ببساطة «الحسابات الخاطئة» للرئيس الحريري الذي لم يستفد من كلام عون الجدي والصادق خلال تلك الجلسة، اعتقد حينها ان «الجنرال» يبالغ في تقدير قيمة نفسه، وظن انه يهول عليه ضمن «لعبة» التفاوض لتحسين شروطه، ولم يدرك الا متأخرا انه اخطا التقدير بعد ان دخل في «مغامرة» عرض الرئاسة على فرنجية «بالادوات» نفسها متجاوزا حقيقة ان رئاسة الحكومة ليست في «جيبه».

وتشرح تلك الاوساط الامر على الشكل التالي، الحريري وبعد ان اسدل الستار على «مسرحية» الحوار مع عون، لم يذهب الى خيار فرنجية من «باب» المسؤولية الوطنية، طبعا «غيرته» على المكون المسيحي ورغبته في ملء فراغ مركز المسيحيين الاول في الدولة، «نكتة سمجة» لا تنطلي على احد، ويكفي للدلالة على ذلك «الاذلال» الذي تعرض له حليفه المسيحي الاول رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. «المصلحة» الشخصية اولا واخيرا لعبت دورا مركزيا في قرار الحريري، غيابه عن رئاسة الحكومة اضعف موقفه «الضعيف» اصلا مع الحكم السعودي الجديد، العودة الى السراي تحسن وضعه السياسي والمالي، استفاد من «رغبات» اميركية عبر عنها السفير ديفيد هيل، واشنطن تريد الحفاظ على الاستقرار اللبناني لان خروج الامور عن السيطرة ستضع اسرائيل امام تحديات امنية وعسكرية غير مسبوقة، واشنطن تدخلت مع السعوديين، وتولى الحريري تسويق الفكرة لدى بعض الامراء تحت عنوان «الاتيان بفرنجية كرئيس مسيحي ضعيف «شعبيا»، في المقابل نستعيد السلطة التنفيذية «بشروطنا»، حزب الله عادة لا يهتم بالتفاصيل الداخلية، رئيس المردة يؤمن لهم الاطمئنان الاستراتيجي، وليد جنبلاط ونبيه بري لا يمانعان، هكذا يخرج عون من المعادلة «وتنكسر الجرة» مع حزب الله، وعندها يضعف الاثنان معا. وقصة صداقة فرنجية والرئيس الاسد تفصيل صغير، فالرئيس السوري لم يعد مؤثرا في المعادلة، السيد نصرالله هو من يدير الامور في سوريا، وبات حزب الله هو «الرافعة» للنظام، اذا يمكن تجاوز الامر ببساطة».

هكذا اعتقد الحريري، ولكنه عرض على فرنجية المقايضة على «ما لا يملك»، تؤكد الاوساط، لم يدرك بعد انه لا يستطيع العودة رئيسا للحكومة بشروطه، وضع حلفائه الاقليميين لا يسمح له بذلك، ووضعه الداخلي لا يجعل منه وصيا على الاخرين، يقرر ما يريد وساعة يريد، ويدعو الاخرين الى القبول بما يرى انه مناسب. المشكلة ليست فقط بفرضه «الفظ» لترشيح فرنجية على فريقه السياسي، بل في ظنه انه قادر على تعديل اولويات الفريق الاخر المتمسك بترشيح الجنرال ميشال عون، التف على حزب الله ولم يفاتحه في الموضوع، اختار التواصل المباشر مع فرنجية تحت عنوان «التشاور» لايجاد مخارج لحالة الشغور الرئاسي، وبعد سلسلة من الاسئلة الساذجة ابلغه انه يتبنى ترشيحه مقابل عودته الى الحكومة «بشروط»، ظن انه ابرم الاتفاق، وطلب من زعيم المردة تسويقه لدى حلفائه….

سوء تقدير الحريري لموقعه التفاوضي لم يكن «الخطيئة» الوحيدة تضيف الاوساط، بل ثمة سوء تقدير لموقف حزب الله من ترشيح الجنرال عون للرئاسة، الحزب لا يتعامل مع هذا الملف على انه جائزة ترضية يمكن ان يمنحها «زعيم المستقبل» للمرشح الثاني على لائحة 8آذار، وبمجرد قبوله سيذهب مسؤولو الحزب لاقناع الجنرال او «الضغط» عليه للتنازل عن ترشيحه، «القصة» لا يمكن التعامل معها بهذه «الخفة» او «الصبيانية»، «الجنرال» مرشح جدي وحقيقي ولم يكن يوما مرشح «مناورة»، موقف حزب الله الراهن قطع «الشك باليقين»، الالتزام الاخلاقي من قبل السيد نصرالله لعون لم يأت عبثاً انما عن قناعة راسخة لدى قيادة حزب الله بان الرئيس الاقوى لدى المسيحيين هو الاكثر قدرة على ايجاد توازن في السلطة السياسية في البلاد، ليس هناك اي قلق في البعد الاستراتيجي من خيارات فرنجية وليست محل شك، لكنه يحتاج الى حاضنة مسيحية يمتلكها الجنرال عون الذي يملك وحده حق تجييرها الى زعيم المردة، هولا يرى اسباب موجبة لذلك الان، لن يقبل على نفسه ان يقرر الحريري مصير الرئاسة وفقا لشروطه، هو المعني الاول بالتفاوض ولن يقبل ان يطبخ الاخرون «الطبخة» ويدعوه الى مائدة الطعام، مكانه الطبيعي في «المطبخ» وليس في «صالة الطعام».

وما ينطبق على عون ينطبق ايضا على حزب الله، بعد ان اثبتت الوقائع انه يصعب تجاوزه واتخاذ القرارات من وراء ظهره، وهنا تبرز ايضا الى الواجهة «الهفوة» الشكلية التي ارتكبها فرنجية في باريس، فهو عندما ابلغ حزب الله بنيته لقاء الحريري، واطلع مسؤولي الحزب على وجود نية لديه لتبني ترشيحه، لم يمانعوا عقد اللقاء وطلبوا اليه استكشاف ما يريده، لكن تم ابلاغه ان الاجواء الاقليمية لا تشير الى وجود مناخ يساعد على ذلك، لقاء «اللوبي» في فيينا بين وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف ونظيره السعودي عادل الجبير لم يتطرق الى الازمة اللبنانية، الامور تنحو نحو المزيد من التصعيد…لكن فرنجية ذهب الى باريس «مستكشفا» وعاد رئيسا؟؟ جاء الى بيروت حاملا معه «صفقة» واوحى من خلال تحركاته واتصالاته ان الامر انتهى..وهذا غير صحيح، كان المطلوب القليل من التروي، المرشح الفعلي ما يزال في الرابية، «وحارة حريك» لا تزال عند التزاماتها، واذا كان «المستقبل» جديا في طرحه، لماذا لم يدخل «المنزل» من «ابوابه»؟ ولماذا اختار سلوك طريق مليء بالريبة ومثير لعلامات الاستفهام؟

الاجابة لم تتأخر، وبعيدا عن سوء النية المفترض في «ضعضعة» فريق 8آذار، قدم وفد «المستقبل» في جولة الحوار الاخيرة في عين التينة دليلا جديدا عن سوء تقديره لعمل حزب الله الاخلاقي في السياسة، فاتح نادر الحريري الحاج حسين خليل «بالتسوية» وقال له ان ثمة موافقة دولية واقليمية عليها «وخلص» يجب تسهيل الامور، جاء الرد حازما ان الحزب ملتزم مع «الجنرال» ولم يتغير شيئا. بدا الحريري غير مصدق لما سمعه حاول «المزاح» بانو شو «هالقصة معقول» هيدا كلام جدي؟ فكان الرد اكثر «صرامة» ودون «ابتسامة» هذه المرة…وهل تظنون اننا نقول في العلن شيء وفي الغرف المغلقة شيء آخر..انتهى النقاش هنا «الرسالة وصلت» «مش ماشي الحال»…

(الديار)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى