تناقضات مؤتمر الرياض وإشكالياته بين المعارضة والإرهاب والواقع الميداني عبد الله سليمان علي
ترتجل العاصمة السعودية الرياض المؤتمرات والتحالفات، وتتصرف على قاعدة أن لا مستحيل أمام رائحة النفط والمال السياسي، فكل شيء قابل للشراء.
وحتى ندبة الإرهاب التي شوّهت الكثير من الفصائل المسلحة في سوريا تظن السعودية أن بالإمكان إخفاءها من خلال استخدام “مساحيق” المعارضة السياسية، أو “إكسسوارات” المؤتمرات المنعقدة في أفخم الفنادق.
لذلك عندما رعت الرياض مؤتمر المعارضة السورية، الذي عُقد الأسبوع الماضي وشاركت فيه العديد من الفصائل المسلحة إلى جانب هيئات سياسية، وصاغت بنود بيانه الختامي بحسب أجندتها الخاصة، لم تكن تفكر إلا بأمر واحد، هو أنها نجحت في المهمة التي فشل فيها الجميع، وهي توحيد أطياف المعارضة وفصائل المسلحين حول رؤية واحدة لحل الأزمة السورية، غير مكترثة بعد ذلك بالصورة التي انعكست فوق مرآة الواقع السوري، والتي أظهرتها جنباً إلى جنب مع تنظيمات معتبَرة إرهابية وفق تصنيفها هي ووفق التصنيف الدولي.
ولا يقتصر الأمر على المملكة فقط، بل إن العديد من الهيئات والمجالس السياسية المعارِضة ممن شارك في المؤتمر، ستجد نفسها أمام تساؤل مُحرجٍ، هو ما الفرق بين الإرهاب والتحالف مع الإرهاب؟ وما الجدوى من استبعاد بعض الفصائل من مؤتمر الرياض، وبالتالي من تشكيلة “هيئة التفاوض العليا”، ما دام بعض المشاركين في المؤتمر وبعض أعضاء هيئة التفاوض مستمرين في التحالف عسكرياً مع الفصائل المُسْتَبعدة؟
وما معنى التوقيع على البيان الختامي لمؤتمر الرياض الذي ينص على “رفض الإرهاب بكل أشكاله ومصادره” إذا كان هذا الإرهاب هو المنقذ الوحيد للخروج من الواقع الميداني المتأزم على الأرض؟ وهل روحية مؤتمر الرياض ـ في حال وجودها – تفترض قطع أي علاقة بين المشاركين فيه مع الإرهاب أم تسعى إلى تعزيز هذه العلاقة؟ وماذا ستقول “هيئة التنسيق الوطنية” و “تيار بناء الدولة” وغيرهما من الجهات المعارضة لتفسير وجودها ضمن كيان واحد مع أطراف تتحالف مع الإرهاب وتستنجد به لتغيير المعادلات على الأرض؟ أم أن الصمت هو أحد بنود الصفقة مع مملكة النفط والمال؟
إلى ذلك، أُعلن في الغوطة الشرقية، يوم الإثنين، عن تشكيل “غرفة عمليات المرج المشتركة” لمواجهة هجوم الجيش السوري في منطقة مرج السلطان بالغوطة الشرقية. وتضم هذه الغرفة “جبهة النصرة” إلى جانب “جيش الإسلام” و “أحرار الشام” و “فيلق الرحمن” و “الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام”.
وقد وقّع على اتفاق تشكيل الغرفة “أبو عاصم الأنصاري” أمير “جبهة النصرة في الغوطة” والمندوبون عن الفصائل الأخرى. وأعطيت قيادة الغرفة لمندوب “فيلق الرحمن” أبو بسام البراء وينوب عنه مندوب “أجناد الشام” أبو خالد إسلام. وقد كان سبق تشكيل الغرفة، توجيه المتحدث الرسمي باسم “جيش الإسلام” النقيب إسلام علوش مناشدة إلى “جبهة النصرة” لمؤازرة “جيش الإسلام” في صد هجوم الجيش السوري على منطقة المرج، وذلك بتغريدات على حسابه الرسمي على “تويتر”. وتنبغي الإشارة هنا إلى أن كلاً من “جيش الإسلام” و “أحرار الشام” ممثَّلان في “هيئة التفاوض العليا”.
وبالرغم من أن هذا التحالف العسكري قديم، ولطالما تجسد في عدد كبير من غرف العمليات المشتركة في مختلف المحافظات السورية، كما في “جيش الفتح” و “غرفة أنصار الشريعة” أو “غرفة جند الملاحم”، إلا أنه الأول من نوعه بعد انعقاد مؤتمر الرياض، وهو ما يكسبه أهمية خاصة لأنه يعطي مؤشراً مهماً على أن مشهد التحالفات ثابت قبل المؤتمر أو بعده وأن دعوى رفض الإرهاب لا ترجمة عملية لها.
ويعدّ تشكيل غرفة العمليات المشتركة في المرج تطوراً نوعياً على صعيد الغوطة الشرقية، لأنه يقفز فوق الخلافات بين الفصائل التي وصلت في مرحلة من المراحل إلى درجة الاشتباك المسلح في ما بينها، وهو ما يؤكد أن هذه الخلافات لا علاقة لها بمعايير الإرهاب بل بمصالح الفصائل وقادتها.
كما يُعدّ ـ وهو الأهم – انتهاكاً لمقررات مؤتمر الرياض ومخالفة صريحة للوثيقة التي وقّع عليها المشاركون فيه، والتي نصّت على “رفض الإرهاب بكل أشكاله ومصادره”، لأن الغرفة المشكّلة هي عبارة عن تحالف عسكري بين فصائل ممثَّلة في “هيئة التفاوض” التي انبثقت عن مؤتمر الرياض وتنظيم مصنف على أنه تنظيم إرهابي بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، وكذلك بموجب أمر ملكي صادر عن الملك السعودي الراحل عبدالله في مطلع العام 2013. وهو ما يضع مصداقية الرياض أمام اختبار حقيقي، ويطرح تساؤلات حول مدى جدية مواقفها من الإرهاب، لا سيما بعد إعلانها الأخير عن تشكيل تحالف إسلامي لمحاربته. وهل يستقيم الادّعاء بمحاربة الإرهاب مع استضافة مؤتمر يتحالف المشاركون فيه مع تنظيمات تراها المملكة إرهابيةً؟
واللافت، أن مناشدة “جيش الإسلام” بطلب المؤازرة وتأسيس غرفة العمليات جاءا بعد ساعات فقط من بثّ المؤتمر الصحافي لزعيم “جبهة النصرة” أبي محمد الجولاني الذي أكد فيه أنه سيعمل على إفشال مؤتمر الرياض وإجهاض أهدافه، واصفاً المشاركة فيه بأنها “خيانة لدماء الشهداء”. وهذا يعني أن جماعة مؤتمر الرياض لا تتحالف مع تنظيم إرهابي فحسب، بل تستنجد بفصيل يتهمها بالخيانة، ويصرّح علناً بأنه يقف ضدها وضد مشروعها السياسي. علاوة على أن هذا التطور من شأنه أن يثبت صحة كلام الجولاني الذي اعتبر فيه أنه لا إمكانية لتنفيذ مقررات مؤتمر الرياض على الأرض، وأن “جبهة النصرة” هي رأس الحربة التي لا يستطيع أحد الاستغناء عنها.
والمحصّلة، أن “مؤتمر الرياض” لم يفشل في تمييز صفوف المسلحين واختيار “المعتدلين” منهم فحسب، بل فشل في إحداث أي فارق نوعي على الأرض على صعيد التحالفات العسكرية. وبدل أن يكون هو الرأس الذي يصوغ علاقات الفصائل على الأرض، كان مجرد غطاء لإخفاء حقيقة هذه العلاقات وحجب أي إدانة لها بتهمة الإرهاب، وهو ما سيشكل خدمة كبيرة لبعض الفصائل التي كانت تتخوف من تداعيات المؤتمر، خاصة “أحرار الشام” و “جبهة النصرة”.
كما أن “جيش الإسلام” ذكر، على حسابه على “تويتر”، أن “مجلس قيادة جيش الإسلام، يدرس الانسحاب من مؤتمر الرياض ومستخرجاته، وذلك بناءً على عدم تضمين البيان الختامي أساسيات أدلى بها مندوب جيش الإسلام وتم التوافق عليها، كتحديد هوية سوريا إسلامية عربية، واشتراط حل الأجهزة الأمنية كاملة، وأشياء أخرى”.
(السفير)