مقالات مختارة

إلى الحكومة السورية في عام : «عيش الواقع» عامر نعيم الياس

 

«عيشها غير»، شعار اجتاح الشاشات الرسمية ووسائل الإعلام المرتبطة بها ولوحات الإعلانات على الطرقات في سورية في مثل هذه الأيام من العام 2014 المنصرم. فمع نهايته نريد رفع معنويات المواطن السوري وإطلاق حملة تشارك بها المؤسسات الاقتصادية والخدمية الرسمية والخاصة على شكل تقديمات اقتصادية خجولة لدفع الطبقة الكادحة من ذوي الدخل المحدود إلى تحمّل أعباء الحياة، لكن الأمور لم تجرِ بما تشتهي سفن الحملة التي تراجع حضورها في الإعلام ووسائله بُعيد منتصف السنة الحالية بقليل، في وقت لا تزال الحكومة السورية على موقفها وقرارها أن البلاد تمرّ بأزمة، فيما تغيب الحرب الكونية على سورية عن أيّ من مصطلحاتها الرسمية، ولا تتواجد إلا في سياق تبرير انقطاع تيار كهربائي هنا أو انخفاض كارثيّ لقيمة العملة الوطنية هناك. كل ذلك يعتبر ردوداً تبريرية تفسيرية لا ترقى إلى مستوى الخطاب الرسمي الذي يريد المواطن أن يسمع جواباً منه، لكن من دون أي جدوى.

تحرّك السوريون على وسائل التواصل الاجتماعي. فهم لا يريدون أن يعيشوا عام 2016 «غير». يريدون أن يعيشوا «الواقع»، هذا هو ما يريده المواطن، فقط الصواب والحقيقة من دون أي تجميل. فمن غير المناسب البتّة استمرار تدوير الحجج السابقة في تبرير الانهيار الخدمي والتراجع الاقتصادي عام 2015، والذي عادل في ما يخصّ انخفاض سعر صرف الليرة السورية السنوات الثلاث الأولى من عمر الأزمة. فهل من مبرّر تقليديّ نمطيّ ينطلي على المواطن السوري، يفسّر انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار بهذا الشكل الجنوني؟ بلغت قيمتها مع نهاية عام 2014 حوالى 190 ليرة سورية، واليوم يتجاوز سعر صرفها 390 ليرة سورية مقابل الدولار الأميركي الواحد، طبعاً في السوق السوداء.

ما الذي يمكن أن يساق في ضوء تبرير قرار تمويل الصادرات الذي ورد منذ يومين والخاص بوضع تأمين بالليرة السورية من قبل التجار السوريين المساهم الأبرز في الأزمة، مقابل تمويل المصرف المركزي السوري لمستورداتهم بالعملة الصعبة؟ لماذا لم يتّخذ هذا القرار الصائب في السابق؟ هل كان غائباً عن صناع السياسة الاقتصادية والسادة المسؤولين عن الشأن المالي السوري والذين برّروا انخفاض سعر الصرف بالنزوح من الداخل السوري إلى الخارج؟ ألا يعوّض هذا الهارب من الحرب ما تمّ سحبه من السوق بتحويلات مالية في المستقبل المنظور؟

البلاد تعيش حالة حرب أفرزت اختلالاً في الحياة الطبيعية لأيّ شعب وأزمات متعدّدة، وبالتالي من الطبيعي عند خروج المواطن إلى السوق أن يشعر بالأزمة، وهو ما لا تجده في دمشق. فكل شيء متوفر في الأسواق وبحاجة فقط إلى المال. كامل المواد الكمالية والترفيهية متوفّرة في زمن الحرب إنما بأسعار خيالية. فهل هذه السياسة أتت لتقول إننا لا نشعر بالحرب وإن البلاد «بخير»؟

الدولة السورية بجيشها ورئيسها وشعبها صمدت بشكل أسطوري، لكن الصمود لا يعني بأيّ حالٍ من الأحوال أن التحدّي يجب أن يصل إلى حدّ أن يكذب الشخص على نفسه ويوهمها أنه في أحسن الأحوال. حتى السيد رئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد قال إن الرفاهية التي كانت سائدة عام 2010 قد ولّت واليوم نعيش زمناً مختلفاً، فأين صدى ما قاله؟

هل الصدى بإطلاق حملات إعلامية إعلانية؟ أم أنّ العمل يجب أن يتركز على تأمين مستلزمات الشعب الأساسية لرفد صموده من دون أن يشعر ذوو الدخل المحدود أنهم باتوا على سجلّ الأموات بانتظار أن تتم توفيتُهم أو يقتلوا بإحدى قذائف الغدر والحقد الإرهابيين؟ هذه الطبقة التي تضحي وصارت تتمنى أن تعود إلى أيام الثمانينات عندما كانت الدول مسيطرة على الأسواق على رغم التقنين في المواد الأساسية الغذائية الذي شمل حتى الشاي وفق ما يذكر السوريون، لكن البلاد لم تكن تعاني من هذا التفاوت الاجتماعي المرعب الذي يهدّد بانفجار لا تحمد عقباه.

لا تهم الإحصاءات، فالشعب يطالب الحكومة بأن تعيش «الحقيقة». فهل تسمع الحكومة ما يريده الشعب؟ وهل ترى تضحيات الجيش، وتقدّر صمود الشعب وذوي الدخل المحدود خصوصاً؟

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى