السعودية وتركيا: التذاكي الإعلامي لا يُخفي الهزيمة
ناصر قنديل
– تصدّرت السعودية وتركيا المشهد الإقليمي خلال خمس سنوات هي عمر الأزمة في سورية التي توّجت ربيعاً عربياً، تقاسمت مراحله ودوله كلّ من السعودية وتركيا، بمثل ما تقاسمتا إدارة الحرب على سورية وفيها كمراحل زمنية وتوزيع جغرافي لجبهات القتال، ورعاية متكافلة للجماعات المسلحة، وخلال هذه السنوات أودعت واشنطن الراعي الواحد للحكومتين، قيادة سياستها في الشرق الأوسط لهما، رغم الأدوار الجانبية لكلّ من «إسرائيل» وقطر، في كنف السعودية وتركيا وبالتنسيق معهما، ومن ضمن منظومة التعاون والتنافس التركي والسعودي كان القصد دائماً، إضافة للرهان على تحقيق المكاسب على رقعة الاشتباك الممتدّة من شمال أفريقيا إلى المشرق العربي وبينهما قلب العالم العربي في مصر ورئته على البحر الأحمر ومضيق باب المندب في اليمن، استباق صعود كلّ من إيران كقوة إقليمية وروسيا كقوة دولية تتطلّعان للعب دور متقدّم في رقعة الاشتباك ذاتها، حيث تحوّلت سورية إلى المربع الفاصل في كلّ معارك العالم والشرق الأوسط، وعبرها إلى المحطة الحاسمة في تاريخ صعود وأفول نجم أدوار القيادة والزعامة لكلّ من تركيا والسعودية.
– بعد خمس سنوات، فشلت تركيا وبعدها السعودية في الإمساك بمصر، وفشلتا في تونس، وها هما تفشلان في اليمن، وفي الأصل فشلتا في سورية، وها هما تفشلان في العراق، وانسحبتا أمام تقدّم روسيا وإيران، وها هما تتموضعان خلف خطوط التقدّم التي رسمتها كخطوط حمر كلّ من طهران وموسكو، فالتفاهم على الملف النووي الإيراني يدخل حيّز تنفيذ رفع العقوبات عن إيران خلال أيام، وقد فشلت السعودية وتركيا في إعاقته أو المضاربة عليه أو الدخول على خطه كشريك، والولاية الروسية على إدارة الحرب على الإرهاب في سورية تتكرّس بتراجع وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن تبنّي نتاج مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، ويخلع الغطاء عن قرصنة سعودية لوضع اليد على ورقتي المعارضة وتصنيف الإرهاب ليعيد الأمانة إلى صاحبها الحقيقي، لقاء فيينا الذي سيجتمع في نيويورك ويضع يده على الملفين، ويضطر كيري لفعل ذلك بصورة مذلة بارتباك في المواقف وتبديلها خلال أيام معدودة ليسلّم في النهاية بأنّ دفع فاتورة استرضاء روسيا في سورية من الرصيد السعودي أمر لا مناصَ منه، بعدما رسمت روسيا بالنار لتركيا في المقابل، حدود حركتها الميدانية في سورية، من إغلاق المعابر إلى حظر الطيران، بينما في العراق يتمّ التسليم بالمرجعية الإيرانية وتضطر السعودية لتعيين سفيرين بالتوازي في كلّ من طهران وبغداد، وتتراجع أنقرة عن عنادها بإبقاء قواتها داخل الأراضي العراقية وترتبك وهي تتلقى الضربات، أما في اليمن فتتحدّث مفاوضات جنيف وتزامنها مع وقف النار وما سبقها من مفاعيل عبر الحدود السعودية اليمنية ومن صواريخ التوشكا ونتائجها ليقول يد مَن هي العليا، وفي لبنان يلهث السعودي ليبحث عن ترشيح رئاسي في وجه مرشح المقاومة وسورية فلا يجد إلا مرشحاً منتمياً بقوة إلى محور المقاومة وسورية.
– لم يتبقّ للسعودية وتركيا إلا التذاكي الإعلامي، فبعد عربدة أيام تركية عن إغلاق مضيق البوسفور بوجه السفن الروسية، ورفض سحب القوات من العراق، وها هي القوات تنزف، وبعد تمسك وعناد بإقامة المنطقة الآمنة شمال سورية، يخترع الرئيس التركي مشروعاً لحوار يضمّه مع روسيا وإيران لمناقشة الأوضاع الإقليمية، بينما لا يجد جواباً إلا دعوة إيرانية للتسريع بسحب قواته من العراق، ومن روسيا بدعوته للاستعداد لدفع تعويض عن الطائرة التي أسقطها بحماقته، وفي المقابل تخترع السعودية حلفاً هاتفياً للحرب على الإرهاب لم يقع في فخه إلا رئيس حكومة لبنان تمام سلام، للتغطية على هزيمتها في اليمن وفشلها في سورية، واتجاهها للتطبيع مع إيران، فتلقى رفضاً فاضحاً لهزال مكانتها، من باكستان، الدولة الأهمّ عسكرياً في العالم الإسلامي والواقفة قبالة جبهة أفغانستان، والتي طالما موّلتها السعودية، فإذ بها تستغرب زجّ اسمها من دون علمها في الحلف الجديد، وأندونيسيا الدولة الأكبر في العالم الإسلامي التي أعلنت رفض الانضمام إلى الحلف، وعُمان العضو في مجلس التعاون الخليجي التي أعلنت الرفض أيضاً، عدا عن إيران ومكانتها في العالم الإسلامي وسورية والعراق ومعنى رفضهما كجبهتَي حرب على الإرهاب.
– التذاكي الإعلامي لم يعد يفيد لإخفاء الهزيمة.
(البناء)