مقالات مختارة

روسيا والاستنـزاف المزعوم في سورية حميدي العبدالله.

 

منذ اليوم الأول لبدء إسهام روسيا في الحرب على الإرهاب إلى جانب الجيش السوري، بدأت في الغرب حملة سياسية وإعلامية واسعة تركز على مسألتين، استنـزاف روسيا في سورية اقتصادياً، وسقوط الكثير من الضحايا، وقد بدأ الحملة الرئيس الأميركي الذي تنبأ بالفشل، وواكبته وسائل الإعلام الغربية، الأميركية والبريطانية والفرنسية على وجه الخصوص، وآخر هذه المزاعم ما تحدّثت عنه بعض وسائل الإعلام الأميركية التي وصفت الإسهام الروسي بمكافحة الإرهاب، بنهاية البوتينية، على حدّ زعمها، كما أنّ أكثر من سيناتور أميركي ادّعى بفشل الحملة الروسية، وبدء استقبال روسيا لتوابيت ضحايا الحرب في سورية.

وعلى الرغم من أنّ روسيا لم تفشل في سورية، على الأقلّ حتى الآن، بل على العكس، فقد حققت نجاحات مشهودة في وقت قياسي لا يتجاوز الشهرين في ضوء التقدّم الحاصل ضدّ التنظيمات الإرهابية، لا سيما ضدّ «داعش» على جبهتي ريف حلب الشرقي وعلى محور القريتين – تدمر، وعلى الرغم من أنه ليس هناك ضحايا روس، وأنّ الشهيد الوحيد لم يكن أثناء مواجهة مع الإرهابيين في سورية، بل بسبب إسقاط تركيا للطائرة الروسية، إلا أنّ الحملة مستمرة وكأنّ الفشل بات أمراً واقعاً.

ضمن معايير الرئيس الأميركي أوباما وكلّ الإعلام الغربي الذي تنبّأ بالفشل والاستنـزاف لروسيا، فإنّ ما يُقال ويُستنتج على هذا الصعيد ينطبق أيضاً على التحالف الذي يدّعي أنه يقاتل «داعش»، فهذا التحالف عمره يقترب من السنتين، في حين عمر التدخل الروسي لا يتجاوز الشهرين، فكيف يمكن لتدخل عمره شهرين، أن يشكل استنـزافاً وفشلاً لروسيا، رغم نجاحاته الواضحة، في حين أنّ عملاً عسكرياً عمره سنتان من دون أيّ نتائج، بل على العكس في ظلّ هذا التدخل الغربي توسع «داعش»، يعتبر نجاحاً، أو على الأقلّ لا يقال عنه أنه يشكل استنـز فاً لقدرات الدول المشاركة فيه على غرار الاستنـزاف المزعوم الذي تتعرّض لـه روسيا.

لا شك أنّ الحملة الغربية المستمرّة والمتصاعدة للتشكيك بالإسهام الروسي في الحرب على الإرهاب، والادّعاء بأنّ هذا الإسهام يقود إلى استنـزاف قدرات روسيا لها دوافع غير تلك المعلنة التي يردّدها المسؤولون والإعلام الغربي، وتكمن هذه الدوافع في الشعور بأنّ إسهام روسيا في الحرب على الإرهاب، والنجاحات التي حققها أسقطت قدرة التحالف الأميركي على أن يكون المتحكم الوحيد بقواعد الصراع في سورية، وعطّل ما كانت تسعى إليه الحكومات الغربية، ولا سيما لجهة إسقاط الدولة السورية عبر التسوية أو عبر الإرهاب، وتحويل سورية إلى ليبيا ثانية.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى