منذ زمن طويل!: جدعون ليفي
التخويف، الزعزعة والمعارضة في قلب كل إسرائيلي صهيوني من فكرة الدولة الواحدة. كل هذه مشاعر يمكن فهمها. 120 سنة على الصهيونية هي 120 سنة من الصراع مع الفلسطينيين. جميع المخاوف والكراهية والايديولوجيا والدعاية وغسل الأدمغة آتت ثمارها، ايضا الامثلة الحديثة من البلقان وحتى ايرلندة الشمالية لا تبشر بالخير. حل الدولة الواحدة هو الأكثر ظلامية الذي سيُنزل علينا أكبر الكوارث: الانتفاضة، العودة، الحروب، الإرهاب، الدكتاتورية، الحرب الأهلية ويأجوج ومأجوج أهون بكثير من فكرة الديمقراطية ثنائية القومية. عودة الفلسطينيين هي بمثابة نهاية العالم.
هكذا يكون الامر عند تصوير الشعب الفلسطيني على أنه ليس آدمي. هكذا يكون عند العيش في ظل الصدمة، حيث يوجد من يصنعها ويرعاها ويُفاقمها ويُشوه عبرها. النتيجة هي: التعامل مع الدولة ثنائية القومية على أنها مبادرة للانتحار.
في ظل هذه المعطيات، لا يمكن الحديث عن تغيير قريب في المواقف. فإسرائيل لن تقبل بارادتها أبدا القبول بالفلسطينيين كمواطنين متساوي الحقوق. ويمكن ايضا الاعتماد على رئيس الحكومة الذي رد بشكل قاطع على تحذيرات جون كيري وحاول استخدام سلاح اليوم الموعود: «إسرائيل لن تكون دولة ثنائية القومية»، قال نتنياهو بشكل قاطع.
اذا كان رئيس الحكومة يقول إن إسرائيل لن تكون دولة ثنائية القومية، فانها بالتالي لن تكون. لكن توجد مسألة هامشية واحدة مأخوذة من الحقائق وهي أن إسرائيل منذ أكثر من 48 سنة دولة ثنائية القومية. ليس هناك طريقة اخرى لوصفها: دولة يعيش فيها شعبان تحت سيطرتها هي دولة ثنائية القومية، ولا توجد مؤشرات تُظهر أنها ستتغير. هكذا تسقط حملات التخويف مثل مبنى من ورق: يتبين أن الكارثة حاصلة بالفعل، ومع ذلك لم تأت نهاية العالم. أسس هرتسل في بازل دولة اليهود بعد ذلك بسبعين سنة، أي في عام 1967، حدثت نهايتها وتحولت إلى دولة ثنائية القومية واغلبية سنواتها هي ثنائية القومية. هذا الامر المخيف حاصل وموجود في الواقع.
قد يكون الشيطان غير سيء إلى هذا الحد، في واقع بشع إلى درجة لا يمكن تخيلها. حيث تمارس إسرائيل ثنائية القومية سياسة التمييز العنصري في المناطق، والتمييز بحق مواطنيها العرب، ومع ذلك فهي مستمرة بدون حروب أهلية وليس هناك مذبحة مثلما في يوغسلافيا، انتفاضة كل بضع سنوات، تعيش على السيف، ليست نهاية العالم، في نظرها بالطبع. إذا ما الصعب في تحول هذه الثنائية القومية إلى ديمقراطية؟ ولماذا لا يمكن الابقاء على الطابع اليهودي من خلال الديمقراطية ثنائية القومية إلى جانب طابع الشعب الآخر؟.
مؤيدو اقتراح الدولة الواحدة يحاولون تقديم اقتراح هستيري: اقامة نظام عادل، ديمقراطية متساوية للجميع وليس لليهود فقط. هذه هي القصة برمتها. وهناك تطور بدأت جهات في البلاد وفي العالم تدركه: عدم جدوى الحل البديل. صحيح أن هناك من ما زال يتسلى بفكرة حل الدولتين، مثل كذبة، للابقاء على الوضع القائم، وهناك من يعتقد أنه يمكن اقامة دولة فلسطينية عادلة ليس في حدود 1967، ودون اخلاء جميع المستوطنات ودون حل مشكلة اللاجئين. هذا تفكير فارغ. لم تقم حكومة إسرائيلية تؤيد هذا الحل: لم يتوقف أحد بشكل جدي عن بناء المستوطنات التي تهدف إلى منع الحل.
الطريق طويلة وصعبة، لكن يجب أن يتغير النقاش الآن، على الأقل في اوساط الأقلية التي تريد العيش في دولة أكثر عدلا. عليهم أن يتوقفوا عن الحديث عن «دولتين» و»دولة اليهود» والبدء في الحديث الواقعي. والواقع هو أن الدولة ثنائية القومية قائمة منذ زمن، ويجب تحويلها إلى دولة عادلة. فهذا أقل اخافة وأقل خطرا من أي سيناريو آخر.
هآرتس