بقلم غالب قنديل

لبنان ومستقبل المنطقة

ersal pic 1

غالب قنديل

التحولات المتراكمة في المنطقة والعالم انطلاقا من صمود سورية ومع فشل العدوان الاستعماري بقيادة الولايات المتحدة في تحقيق أهدافه تضع لبنان امام منعطف تاريخي لجهة تحديد موقعه ودوره المستقبلي خصوصا بعد التدخل الروسي المباشر في مجابهة الإرهاب .

أولا يوفر الانخراط الروسي في الحرب على الإرهاب إلى جانب الدولة السورية فرصة ثمينة للبنان للتخلص في زمن قياسي من اوكار الإرهاب في الجرود الشرقية وهذا يتطلب اتخاذ قرار بطلب المعونة الروسية السورية الذي تعارضه جهات سياسية لبنانية مرتبطة جذريا بالحلف الأميركي السعودي وهي تعطل في الوقت نفسه فرص حصول الجيش اللبناني على الدعم الجوي المناسب والأسلحة التي توفر له القدرة على حسم الأمور وتحرير الجرود التي يحتلها الإرهابيون الذين يختطفون بلدة عرسال ويستنزفون الأمن الوطني وتبدو الحكومة اللبنانية أسيرة هذه الجهات في قرارها الذي يعطل التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري في جبهة واحدة يصعب الفصل بين مقلبيها السوري واللبناني .

ثانيا تقضي المصالح الاقتصادية اللبنانية بالتطلع إلى ثمار الانخراط في شراكة مبكرة مع سورية والعراق وإيران وروسيا والصين حيث يمكن تسييل الخبرات والقدرات اللبنانية في منظومة اقتصادية عملاقة مرشحة للنمو والتوسع خلال الفترة القادمة ولا مجال للمقارنة بين هذا المحور ونتائج الشراكة معه والبقاء على السياسة التقليدية البائدة التي تعطي اولوية حاسمة لالتحاق لبنان التبعي بالغرب والمملكة السعودية كما كرسته الحريرية بعد الطائف في إطار تركيبة نظامها الرأسمالي المتوحش تحت رعاية صندوق النقد الدولي ونصائح مستشاريه .

في المنطقة مخاض لتكتل اقتصادي يمتد من أقصى شرق آسيا إلى سواحل المتوسط وهو يحضر مشاريع ربط قارية ضخمة تتضمن سكك الحديد ومحطات توليد الكهرباء وانابيب النفط والغاز وما لم يجد لبنان لنفسه موقعا في هذا التكتل سيصبح على هامش بيئته الإقليمية الطبيعية ودورتها الاقتصادية والمالية وسوف يخسر فرصا ثمينة لحل الكثير من مشاكل التنمية الاقتصادية .

ثالثا تضج اوساط المال والأعمال اللبنانية بكلام كثير عن حصة مأمولة في فورة إعمار سورية بعد الحرب وقد شرع البعض يعدون ملفاتهم ويحضرون وسطاءهم من اليوم لنيل دور في أضخم مشروع إعماري في تاريخ المنطقة ويشمل مجالات استثمار كبيرة ومتعددة .

العقدة التي ينبغي الالتفات إليها هي ان الدولة الوطنية السورية مصممة على ترسيخ هويتها الشرقية وبالتالي على اختيار شركائها في الإعمار والتنمية بعد الحرب العدوانية من صفوف حلفاء الصمود والمقاومة وهنا تطرح مسألة العلاقات اللبنانية السورية ونظريات النأي البائسة ومعها رصيد التدخلات العدائية التي مارستها قوى لبنانية تورطت في الحرب على سورية كتيار المستقبل والقوات والحزب التقدمي وهي خارج حسابات الشراكة المحتملة ويستدعي تأهيلها سياسيا استدارات دراماتيكية حادة لا تفيد في اختصارها وساطات من اي نوع كان.

رابعا من اخطر الملفات اللبنانية ملف استخراج النفط والغاز واستثماره ويبدو ان اطرافا سياسية لبنانية تتجه لترجيح كفة الشركات الأميركية بذرائع شتى بينما في الواقع يمكن للشراكة مع روسيا ان تحقق مجموعة من المكاسب بشروط أفضل تعظم من فرص استثمار قطاع الطاقة الناشيء بدلا من جعله جزءا من منظومة الهيمنة الأميركية .

محاولات الضغط لتلزيم قطاع النفط والغاز لشركات اميركية هي مؤامرة على لبنان لها طابع سياسي وليست مجرد اجتهاد استثماري وهي تستهدف استقلال لبنان وسيادته بإقامة قواعد ارتهان طويلة الأمد للمشيئة الأميركية في قطاع ناشيء يستدعي مناخا مناسبا لينمو ويتطور وليشكل دعامة للاستقلال السياسي للبلاد وليس مدخلا لاستتباعها للمشيئة الأميركية وبالتالي ربط لبنان بمنظومة الهيمنة في المنطقة ومركزها الكيان الصهيوني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى