نحن نتضامن مع المنار شارل ايوب
أيها السادة الكرام
لا يحتاج الحق الى دليل ولا تحتاج الحقيقة الا لصوت قادر على نقل الواقع الذي تفرضه الاحداث كل يوم، وها قد اصبحنا شاهدين على حالات اغتيال الخبر الممتلىء بالأمل والنشرة الإخبارية التي استطاعت ان تستعيد الكثير من أسلحتها الفكرية، التي صادرتها الأصوات المبتذلة التي لم تستطع التمييز بين العنفوان والخنوع. وها نحن اصبحنا شاهدين كيف أن ثقافة الخضوع لإسرائيل تريد اسكات منارة الحق وعزة النفس.
وها نحن نشهد كيف يصير الحق متهماً بحقيقته وكيف يريد العدو ان يسكت كل صوت قادر على النطق بالمفردات الممنوعة من النشر في قاموس من هم ضد المقاومة، وها نحن نرى كيف يُتهم الطبيعي والحقيقي والمقاوم لانه في واقع غير طبيعي يريدون من خلاله تكريس منهج القبول والخضوع. ونحن نعلم ان هناك عرباً قد رأى الاحتلال كل الامل فيهم ليكونوا ضد قناة المنار، فهذا العدو وان فشل مرة فما زال سعيدا لانه قادر على المحاولة، وقناة المنار وإن قصفت مرة في حرب 2006، فهي قادرة على الاستمرار ليس لان المضارع مستمر بل لأننا لا نستطيع ان نتحدث عن أسلوب قناة المنار بصيغة الماضي الناقص، فهي الحاضرة ليكبر مشروعها الوطني المقاوم حتى التحقق، فلذلك نرى ان المنار جغرافيا وليست دليلاً على نقل الزمان فقط لانها منطلقة من وجدان المواطن الذي يريد ان يؤرّخ أيامه بيده وعلى طريقته ومهما نجحت محاولات الهيمنة السعودية مع المخطط الصهيوني – الأميركي على الفضاء، فنحن سننقل اخبار المنار من بيت الى بيت وعلى طريقتنا. ومع كل يوم تتكرر المواقف السياسية وتتكرر سياسة التطبيع الواضحة مع العدو وما زلنا نرى وبشكل علني كيف تعتمد الدولة السعودية أسلوب تنظيف الهوية الفلسطينية من ادواتها لتبدو خالية من نقاطها القوية والمنار تقول ما علينا الا ان نكون كما يجب ان نكون، مقاومين، فتلك هي معركتنا ضد الحكومات العربية التي قبلت التطبيع مع الآخرين، ولذلك لا يمكن الا ان نقف مع قناة المنار لانها القادرة على كسر المرآة الأسطورية للعدو الإسرائيلي ولأنها تنقل من خلال نشراتها صورة الاحتلال المنهار التي عمل الكثير من الإعلاميين في العديد من القنوات على تصوير العكس.
لكن هل المقاومة صفة، ام وسام يُمنح لكل من استحق التصفيق، في ليلة الرفض الطويلة، علّمتنا قناة المنار أنه لا يكفي ان تقول انا مقاوم، لكي تكون مقاوماً، فالمقاومة فعل يولد من شغف الانتصار على تصرفات الاحتلال، والمقاومة ثقافة تولد من أسلوب الحياة اليومي فلا يكفي صوت النائم قرب العدو لان المقاوم لا ينام. وان الولادة على دفعات في ارض الجنوب لم تكن من صدف التاريخ الحديث، بل كبُر الجنوب ليرى العدو هزيمته في كل يوم وليحاسب ذاته المتكبّرة على كل شيء، وليشهد الشمال الفلسطيني على عادات الجنوب اللبناني في الانتشار في حضن فكرة المقاومة لتتصل المعاني بعضها مع بعض ولنطل على حيفا من شرفات لبنان الجنوبية.
امام هذه القناة التي درّبتنا على الربط بين ما هو وجودي وما هو ضروري فلا يمكن الا ان أكون وجداني الكلام لان المنار علمتنا عدم الاعتذار امام مثل هذه القضايا الهامة، ولا يحق لاصحاب الخيار الصهيوني في أن يطالبونا بالاستسلام وكأننا بلا عيون لا نرى ما الذي يحصل في المنطقة، ولا يحق لهم الطلب بتقويم اسلوبنا فنحن لسنا مرسلين بعيدي النظر، بل نحن أقرب مما هم يعتقدون، قد يصلح ان نحمل تجربة قناة الميادين لنقرّبها من تجربة المنار، فالمعركة ليست مع المذهب بل مع الفكرة، وسنتمسك الان بالفكرة اكثر، وسنحبها اكثر ونحن نعلم بأن الحقيقة لا تكون كاملة الا اذا رأينا محاولات اسكاتها والظالم لن يرتاح في ظلمه الا اذا حجب اخبار كل من وقف ضده. ومن يقف في ساحة الضد اليوم هو قناة المنار، لانها رفضت سياسة الهزيمة والتسوية المنتشرة في خطابات ومواعظ بعض الأصوات العربية التي ارادت ان تجعل من مفهوم التضحية ضد العدو الإسرائيلي مادة للتصغير والسخرية، ولا يمكننا الا ان نحب المنار لانها تنقل ما هو هامشي الى المركزي في الخبر اليومي. ولا يمكننا الا ان نقف مع المنار لانها جرحت نرجسية العدو عندما كان يسمّي هزيمته انسحابا، وهذا ما لم يرضى الجميع، وهذا الامر الذي علّمنا ان الإعلام سلاح يفتح المغلق الغامض الممنوع من الوضوح وان الاعلام قادر على تحمّل تبعات الدماغ اذا اصبح اكبر من جسد الصورة لينقل الفكر المقاوم بطريقة ابسط مما كنا نتخيل.
حققت المنار التوازن بين الحق والحقيقة، ومنحتنا سلاحاً جديداً. ليس هناك انتصار كامل ولا هزيمة حقيقية، واعذروني على موقف يفرض عليّ الشاعرية المفرطة، ولكن فلنطرح سؤالنا الضروري، ماذا بعد قناة المنار في هذه الحرب المفتوحة على الرموز والمبادئ؟
هذه الحرب المفتوحة التي لم تعد تتسع لاسلحتنا الروتينية وها هي اليوم تنتقل نحو ذاكرة الجماعة لتقتل الأفكار الأسطورية الحرة التي حوّلت فولاذ الأعداء الى متحف للجميع. ولم يكن الصدق كافيا لننجو من الاتهام الموجه بأصابع الخطأ، ولم تنته هذه الحرب المفتوحة على كل شيء لأقول ان الطريق انتهى، فما زال في صوتنا خبر، وان انتهى طريقنا هنا فهو بداية لطريق اخر، وهكذا تبقى صفة الرفض والقبول هي دليلاً على نجاح قناة المنار ومهما فعلوا فسيبقى صوت المنار يدوّي في العالم العربي وفي العالم بثقافة المقاومة وبعزة النفس وتحرير فلسطين واسقاط مشروع الهيمنة الصهيونية الاميركية المتحالفة مع السعودية.
عاشت قناة المنار، عاشت المقاومة، والخلود لشهدائنا الأبرار والانتصار لشعبنا المظلوم والمقهور.
(الديار)