الأهداف الأميركية في لبنان
غالب قنديل
أثارت كثيرا من التساؤلات المعلومات المنقولة والمتداولة عن دعم أميركي سعودي لما سمي بمبادرة ترشيح النائب سليمان فرنجية التي لم تتحول إلى طرح جدي وأبقيت على هذا النحو عمدا على مايبدو لأن أصحابها كانوا بدون شك يعرفون مسبقا ما يمكن ان تواجه من عقبات سياسية وهنا يمكن قبول وصفها بالمناورة التي تنطوي على غايات واهداف سياسية معلومة ويبقى السؤال المركزي الذي يغني عن سواه هو ماذا تريد الولايات المتحدة من عرض تبني ترشيح احد أركان الثامن آذار للرئاسة ؟
أولا التنازل الأميركي الوقائي بقبول انتخاب فرنجية من حيث المبدأ يكشف الإقرار باستعصاء ميزان القوى وانسداد السبل امام انتخاب رئيس جديد من قوى 14 آذار او من الطراز الموصوف بالوسطي من بين الشخصيات المرتبطة بالولايات المتحدة والغرب وهذه الحسابات الأميركية تتصل مباشرة بالتحولات التي تشهدها المنطقة وفي الميدان السوري بالذات منذ الانخراط الروسي في محاربة الإرهاب بالشراكة مع الدولة الوطنية السورية ومحور المقاومة .
تقود الحسابات الأميركية والتوقعات المرجحة للمشهد السياسي الإقليمي إلى تصاعد نفوذ روسيا وحلفائها في المنطقة ونهوض الدور السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد وكذلك صعود قوة حزب الله وحلفائه في الثامن من آذار وبصورة خاصة كل من العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية وبالتالي ينبغي النظر للأمر برمته من زاوية فشل المخطط الاستعماري لضرب سورية وتبلور محور مناهض للحلف الغربي وادواته يحقق تقدما سريعا على الصعيدين العسكري والسياسي في المنطقة.
ثانيا منطقيا يقضي الحفاظ على ما يمكن حمايته من مواقع النفوذ الأميركي السعودي في لبنان تنازلا وقائيا لا يعني الاستسلام للحلف المقاوم بل هو في مضمونه يعكس معادلة : خذوا الرئيس وأعطونا النظام وهذه العبارة هي فعليا ما تعكسه النقاط التي سربت عن كلام الرئيس الحريري وتصوره للتسوية التي تتحول فعليا إلى انتخاب رئيس محاصر بتوازنات قاهرة تفرغ الانتخاب من محتواه الفعلي فالتفويض المنسوب إلى الحريري طلبه لست سنوات يعني صيغة حكم تجدد سيطرة الحريرية على جميع مفاصل الدولة التي باتت تحت سيطرة رئيس الوزراء بنتيجة النصوص والأعراف التي تبلورت بعد اتفاق الطائف ومن هنا يصبح التصميم على مضمون السلة الشاملة في أي تسوية رئاسية ولا سيما قانون الانتخاب النسبي هو الضمانة الرئيسية وكذلك الرئاسية التي ينبغي التمسك بها .
لاشك ان تعامل قوى الثامن من آذار وحزب الله على وجه الخصوص بالحذر الكافي مع ما سمي بالمبادرة الحريرية أحبط المناورة المتضمنة فيها والتي تبغي إثارة البلبلة والشقاق بين الحلفاء ولم يخطيء الذين ظنوا في ذلك طريقا لحرق مرشحي الثامن آذار العماد ميشال عون والوزير سليمان فرنجية معا وتباعا فليتذكر المراهنون انه سبق أن قيل الكثير الكثير غداة لقاءات باريس بين الحريري والجنرال كما جرى مؤخرا.
ثالثا لا تخفي الولايات المتحدة والمملكة السعودية سعيها الحثيث لإضعاف المعسكر اللبناني المهيأ لتلقي نتائج التحولات الجارية في المنطقة والعالم ولاستثمارها والدليل المباشر هو سلسلة التدابير العدائية ضد حزب الله ومؤسساته الإعلامية التي انطلقت موجتها التصعيدية الجديدة من الولايات المتحدة ومن بعدها المملكة السعودية وقد طرحت السؤال المحير لكثيرين : كيف يسعون إلى تسوية في لبنان ويمارسون أقصى الاستفزاز العدائي لحزب الله ؟!
تريد الولايات المتحدة عن طريق خلط الأوراق اللبنانية منع تحول التبدلات الجارية من حول لبنان إلى إعصار سياسي لبناني يهدد مواقع نفوذها الفعلية ويبدل وجه لبنان بحيث يقوم حكم جديد يجعل هذا البلد حلقة عضوية في محور المقاومة والاستقلال بالتوازي مع صعود هذا المحور وتقدمه ومن انتصار سورية والرئيس بشارالأسد.
رابعا التنازل الوقائي الأميركي بقبول فرنجية رئيسا مع شروط الحريري الفعلية لرسم مضمون العهد العتيد يؤكد ان العرض هو مقايضة تنازل رئاسي بتجديد الحكم المطلق للحريرية ومن خلفها الولايات المتحدة والمملكة السعودية طالما لم تتضمن التسوية والسلة المقترحة معها قانون الانتخاب النسبي الذي يمنع المصادرة المسبقة لرئاسة الحكومة ولسلسلة المواقع الأخرى الصانعة للسياسات الاقتصادية التي يزمع الحريري ربطها يمنظومة مصالحه وشراكاته الداخلية والخارجية وعمادها الأميركي السعودي.
من بين الأهداف الأميركية المباشرة والمعلنة والدافع القوي للاستعجال اقتطاع حصة من محفظة استثمار النفط والغاز اللبناني وهذا ما شكل محورا لحركة الاتصالات الأميركية المكثفة في لبنان وفي هذا المجال يدور السباق بين موسكو وواشنطن الراغبة في تكريس حصتها في لبنان بعدما حجزت روسيا موقعها الحاسم بالشراكة مع إيران والصين في ملف النفط والغاز السوري .