الغاز ليس قناة لتحسين العلاقات: تسفي برئيل
«ليس هناك في هذه اللحظة أي مفاوضات أو مشاريع لاستيراد الغاز من إسرائيل إلى الاردن. كل شيء مجمد في مرحلة كتاب النوايا الذي وقع بين الاردن وشركة نوبل انيرجي»، هذا اوضح أمس وزير الطاقة الاردني، ابراهيم سيف. ويأتي بيان سيف ليضاف إلى القرار المصري بتجميد المفاوضات على استيراد الغاز من إسرائيل ويلقي بعلامة استفهام كبيرة على تصريح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في أن تصدير الغاز سيعزز العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.
وبمقابل مصر، التي تستغل مزاياها الاقتصادية في مجال الغاز للضغط على إسرائيل كي تتخلى عن غرامة بمبلغ 1.76 مليار دولار حكم بها في صالح شركة الكهرباء الإسرائيلية، فان مبرر القرار الاردني أعمق بكثير. فهو يستند إلى المعارضة الجماهيرية لاستيراد الغاز من إسرائيل، وذلك لان «استيراد الغاز من إسرائيل معناه الاحتلال»، كما هتف مؤخرا متظاهرون اردنيون في ساحات عمان. ومن المتوقع لحكومة إسرائيل أن تكسب أكثر من ثمانية مليار دولار من بيع 15 مليار متر مكعب من الغاز للاردن (كما اتفق في كتاب النوايا)، وفي نظر المتظاهرين، فان هذا المال «سيذهب لتعظيم قوة الجيش الإسرائيلي وتمويل الاحتلال». ليس واضحا إذا ما ومتى سيتراجع الاردن عن نيته شراء الغاز من إسرائيل. فهو موقع في هذه اللحظة على اتفاق لاستيراد الغاز السائل من قطر من خلال شركة «شل» بحجم 250 مليون متر مكعب في اليوم على مدى خمس سنوات وفي نيته اصدار عطاءات اخرى لتوريد الغاز السائل.
تكفي القرارات التي صدرت عن الاردن ومصر في الايام الاخيرة لضعضعة مفهوم الامن الذي اسند اليه نتنياهو حججه بشأن ضرورة استخدام المادة 52 التي تسمح لوزير الاقتصاد بان يتجاوز المسؤول عن القيود التجارية لاعتبارات السياسة الخارجية أو أمن الدولة. ولكن نتنياهو بالغ فعرض حجتين اخريين. الاولى تشرح بان تصدير الغاز يمكنه أن يشكل بنية تحتية لتثبيت العلاقات الخارجية مع دول عربية، أما الثانية فتحاول الاقناع بان الدولة التي تصدر الغاز تكون عرضة اقل لتهديد المقاطعات. وتعاني هاتان الحجتان من انعدام أساسات في الحقائق في أفضل الاحوال ومغلفة بالخداع في اسوأ الاحوال. فعلاقات إسرائيل مع الدول التي عقدت معها اتفاق سلام، مصر والاردن، لم تستند إلى الغاز أو النفط، بل إلى المصالح الامنية، الحلم الاقتصادي، الوعد بحل المشكلة الفلسطينية والضغوط الأمريكية. فمصر تتعاون مع إسرائيل في الكفاح ضد الارهاب دون صلة بالغاز، والتعاون الامني بين الاردن وإسرائيل بدأ حتى قبل التوقيع على اتفاق السلام.
اذا كان هناك تهديد على هذا الاتفاق فهو لا يمكن في الغاء توريد الغاز الإسرائيلي لشركة الكهرباء الاردنية، بل في ما يصفه الاردن كمحاولات للسيطرة الإسرائيلية على الحرم. وحتى لو عرضت إسرائيل على الاردن صفقة أحلام للغاز، فهي لن تتمكن من ان تحل محل المصالح القومية للاردن، تهدئة روع معارضي التعاون الاقتصادي بين الدولتين أو طمس الشرخ في الموضوع الفلسطيني.
وما هو صحيح بالنسبة للاردن صحيح بالنسبة للفلسطينيين الذين لن يتخلوا عن تطلعهم لاقامة دولة حتى مقابل كل الغاز الكامن في الابار الإسرائيلية. وبالنسبة للدول العربية الاخرى، فان الغاز الإسرائيلي لا يمكنه أن يشكل رافعة لشبكة علاقات مع دول الخليج التي تنتج الغاز بنفسها، ولا مع دول المغرب، حيث للجزائر تفوق هائل. وبالمناسبة، فان ادعاء نتنياهو بان توريد الغاز الإسرائيلي للدول العربية الفقيرة كفيل بان يثبت استقرارها، يثير العجب إن لم يكن الهزء. فلليبيا واليمن لم تجدي آبار الغاز في اراضيهما للصمود في وجه الحروب الاهلية التي لا تزال تجري فيهما. في الجزائر، من الدول المنتجة الكبرى للغاز في المنطقة، وقعت حرب اهلية قتل فيها في التسعينيات أكثر من مئة
وخمسين الف شخص، والعراق بالتأكيد لن يتأثر بحجة نتنياهو عن دور الغاز كعامل استقرار سياسي. صحيح أنه يوجد في المنطقة زبون محتمل يمكن لتصدير الغاز اليه أن يدفع إلى الامام بعلاقاته مع إسرائيل. وهذا يدعى تركيا، ولكن من المشكوك أن يكون الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، يبحث في هذه اللحظة عن فرص لترميم العلاقات مع إسرائيل. وفضلا عن ذلك، فقد وقعت تركيا قبل اسبوع على مذكرة تفاهم مع قطر كي تتلقى منها كميات من الغاز بل وبناء انبوب غاز في حالة تجميد روسيا بين الغاز لتركيا.
ومشوق أن نرى إذا كانت الحجة الثانية، والتي تقول ان الغاز هو سور واقٍ في وجه المقاطعات والعقوبات، ستقنع فلاديمير بوتين الذي فرضت عليه عقوبات أمريكية واوروبية رغم أن روسيا تصدر نحو نصف الغاز الذي في حوزتها. ولعل الزعيم الإيراني علي خامينئي سيشتري هذه الحجة، ولكن هذا لن يكون الا بعد أن ترفع العقوبات التي فرضت على إيران، المصدرة الكبرى الاخرى للغاز التي اعتقدت على ما يبدو، مثل نتنياهو، بان تصدير الغاز النفط سيحميها. وماذا عن العقوبات التي فرضت على صدام حسين على مدى نحو دزينة من السنين؟ الغاز لم يحمي حتى الان أي دولة من العقوبات، ويبدو أن الاتحاد الاوروبي لن يتراجع عن قرار وسم منتجات المستوطنات على شرف تصدير الغاز الإسرائيلي. فعلاقات إسرائيل مع الدول العربية وسور الصد ضد المقاطعات ليست متعلقة باقرار صفقة الغاز او بتوقيع اتفاقات تصدير الغاز، بل بالصفقة السياسية التي تعرضها إسرائيل على الفلسطينيين. كل محاولة لعرض الغاز كبديل عن الخطوات السياسية، حل سلمي مع الفلسطينيين يفتح (ربما) قنوات الوصول الإسرائيلية إلى الدول العربية، ليست اكثر من خدعة.
هآرتس