نظام التمثيل النسبي مدخل لاصلاح النظام البرلماني الديموقراطي في لبنان ساسين عساف
الديمقراطية في لبنان وما رافق كل مراحلها من تشويهات في الممارسة والأساليب يقتضي التطوير والتصويب بما يتناسب والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية خصوصاً والاستفادة متاحة من الوسائل والتقنيات الحديثة وممّا سيحمله الغد من تطورات تؤثر بشكل إيجابي كبير في الممارسة الديمقراطية .
إن تطوير الديموقراطية اللبنانية يستوجب حكما” تطوير النظام الإنتخابي وفق ظروف لبنان السياسية والمقتضيات الموضوعية ونمو الوعي لدي الناخبين, فلو نظرنا إلى المراحل التي مرت بها العمليات الإنتخابية البرلمانية في بلادنا سواء تلك التي جرت قبل الطائف أو بعده أساءت الى النظام الديموقراطي البرلماني وصحّة التمثيل وعدالته وفعّاليته.
من البدائل المطروحة نظام التمثيل النسبي الذي دارت بشأنه دراسات ومناقشات خصوصا” لجهة تنفيذه بما يؤدي إلى إحداث نقلة نوعية كبيرة في الممارسة الديمقراطية وبما يضمن حياة سياسية مستقرّة تشارك في صنعها القوى السياسية المختلفة وتضع لبنان فى المكانة اللائقة بشعبه إقليمياً ودولياً.
فالانتخابات آلية لتظهير الممارسة الديمقراطية، والديموقراطية الحقّ هي ضمانة الأقلّ في الأكثر. نظام التمثيل النسبي يؤمّن هذه الضمانة لجميع المواطنين. وهو من أقلّ الأنظمة الانتخابية قابلية للاستئثار والتهميش وتحويل الديموقراطية الى ديكتاتورية مقنّعة. خبرات المتخصصين المحايدين تفيد بأنّه الأفضل والأكثر ملاءمة للمجتمع المتعدّد حيث تقوم فيه دولة حريصة على مشاركة جميع مكوّناته في ادارة شؤونها. المجتمع اللبناني متعدّد المكوّنات وفلسفة نشوء دولته المبيّنة في مقدّمة الدستور وموادّه الميثاقية تقوم على مفهوم المشاركة والتوافقية، وفي هذه المرحلة البالغة الحساسية من تأريخنا المعاصر نحن بحاجة ماسة إلى اعتماد نظام إنتخابي يترجم الدستور نصّا” وروحا” فيضمن حقّ المواطنين في المشاركة واختيار ممثّليهم الحقيقيين في السلطة.
نظام التمثيل النسبي في دولة تعاقدية طوائفية مقاعدها النيابية موزّعة بين الطوائف والمذاهب والأحزاب فيها لا تتعدّى حدود الطوائف والمذاهب والمناطق له آليات حسابية خاصّة تستخدم لاحتساب المقاعد المخصصة لكل طائفة ومذهب وله تقسيمات دوائر انتخابية خاصّة وله كيفيّات خاصة لتسجيل الناخبين وتصميم أوراق الاقتراع وفرز الأصوات وهذا ليس بالشأن المستحيل كما نفهم من المتخصّصين المحايدين.
معارضو هذا النظام يتذرّعون بها وهم في حقيقة الأمر قلقون على مستقبلهم السياسي ومستقبل أبنائهم فيسعون الى ادامة النظم الانتخابية المعمول بها والكفيلة باعادة انتاج النظام السياسي الاستئثاري نفسه والطبقة السياسية نفسها فتتجدّد الأزمات السياسية ويترهّل النظام السياسي وتفقد الحياة السياسية حيويتها.
مؤيدو الإصلاح السياسي يضعون مسألة تغيير النظام الانتخابي في رأس أجنداتهم السياسية على قاعدة وعيهم للنتائج الايجابية المترتّبة عن تغييره للدفع باتجاه تنشيط الحركة الحزبية بما يتجاوز الطائفي والمحلّي وتطوير الممارسة الديموقراطية البرلمانية بما يتجاوز الوجوه المألوفة وورثتها من قوى الاقطاع التقليدي العائلي والحزبي والاقطاع الحديث المالي والميليشيوي.
لذلك من الخطأ الاعتقاد أنّ الخلفية وراء اختيار الأنظمة الانتخابية قائمة على أسباب تقنية أو فنّية بل هي قائمة على دوافع سياسية مصلحية فالخبراء المتخصّصون المحايدون قادرون على ايجاد الحلول لكلّ المسائل التقنية أو الفنّية ويبقى لوعي الناس وقوى التغيير والتنوير أن تجد الحلول للمسائل التي يثيرها أصحاب المصالح الخاصّة.
اختيار النظام الانتخابي النسبي مسألة سياسية تحرّكها رؤية اصلاحية طويلة المدى تنطوي على نظرة جديدة لبنية الأحزاب وبرامجها ودورها في تجديد الحياة السياسية ولنوع الحكومات الائتلافية ولدور المعارضة البرلمانية تحديدا” في المراقبة والمساءلة والمحاسبة ولطبيعة التحالفات السياسية ولمسؤولية القوى الشعبية في ممارسة نضالها من داخل النظام السياسي بعيدا” من الممارسات العنفية وتثبيتا” للاستقرار السياسي والأمني.
تناسب الأصوات والمقاعد وفق النظام الانتخابي النسبي يؤثّر اذا” في تركيبة البرلمان والحكومة وفي مجرى الحياة السياسية والوطنية.
ثمّة أشكال مختلفة من أنظمة التمثيل النسبي تضفي على العملية الانتخابية بعداً ديمقراطياً يحمي التعايش السلمي بين المواطنين اذ تعمل هذه الأنظمة على تحويل أصواتهم الى مقاعد نيابية تعبّر عن ارادتهم وتحمي مصالحهم وتسعى الى تحقيق تطلّعاتهم سواء ان اعتمدت اللائحة المفتوحة أو اللائحة المرنة أو اللائحة المغلقة وجميعها تجعل التفاعل الشعبي مع العملية الإنتخابية أشدّ حيوية وأكثر وعيا” لبرامج الأحزاب ومتابعة التنفيذ بحيث يدرك الناخب أنّ صوته لن يذهب هدرا” لصالح مرشّح يعرف مسبقا” أنّه خاسر وأن له تأثيرا” على مستوى جغرافي أوسع خصوصا” متى كان لبنان دائرة انتخابية واحدة.. وهذا هو المفضّل لأنّه يرسّخ مفهوم الوحدة الوطنية. هنا الناخب يتحرّك بوعيه ونضاله على مستوى الوطن والمنتخب يتحسّس مسؤوليته الوطنية ازاء من انتخبه من خارج محلّته أو بيئته أو ناسه.
أمّا على صعيد المجلس النيابي نفسه فعدالة التمثيل لكل الأعضاء الذين يشغلون مقاعده ربطا” بعدد الأصوات التي أهّلتهم للفوز بالمقعد تحول دون المنازعات بين أطروحتي الأكثرية النيابية والأكثرية الشعبية التي شهدناها في اثر الانتخابات الأخيرة بين نواب الرابع عشر من آذار ونواب الثامن منه.
وعدالة التمثيل كذلك تمكّن القوى السياسية من ايصال قياداتها إلى مجلس النواب (الحزب الشيوعي مثلا”) كذلك العنصر النسائي والشبابي ما يكسب المجلس قوة مضافة في أدائه وتخصّصاته وتنوّع الطروحات فيه.