حلف العدوان والمبادرة الروسية
غالب قنديل
تشير الوقائع إلى أن الإمبراطورية الأميركية صدمت وتفاجأت بالقرار الروسي الذي تم تحضيره خلال خمسة أشهر بين الرئيسين فلاديمير بوتين وبشار الأسد بالشراكة مع القيادة الإيرانية وقيادة حزب الله بتكتم شديد ومن دون أي إشارة تتيح لواشنطن توقع شيء مما جرى فقد شكل الانخراط الروسي في القتال ضد عصابات الإرهاب مفاجأة صادمة أحدثت تحولات كبيرة وهامة في توازن القوى العام لصالح الجيش العربي السوري والدولة الوطنية السورية ونقلت سورية وحلفاءها إلى موقع المبادرة الهجومية عسكريا وسياسيا.
أولا يتعامل حلف العدوان بقيادة الولايات المتحدة مع الوضع الجديد بتصميم على تعزيز العصابات الإرهابية بجميع تشكيلاتها وقد شحنت إليها كل من السعودية وقطر آلاف اطنان السلاح عبر تركيا وآلاف الصواريخ المضادة للطائرات والدروع كما لم يتم اتخاذ أي تدبير فعلي لوقف تدفق الأموال إلى عصابات الإرهاب سوى ما قامت به القوات الروسية من ضربات لخطوط نقل النفط السوري المنهوب إلى تركيا وما سددته من ضربات قرب الحدود فرضت بها توازنا عسكريا يشل الطيران التركي بعد إسقاط الطائرة التركية ونشر بطاريات الصواريخ إس 400 في الشمال السوري.
رد حلف العدوان التركي السعودي على الخطوات الروسية باختراق القوات التركية لحدود العراق بهدف محاولة التأثير على اندفاعة الجيش العراقي ووحدات الحماية الشعبية ضد مواقع داعش ولمحاولة فتح خطوط جديدة لتهريب النفط الداعشي عبر الحدود التركية العراقية إثر نجاح عمليات تقطيع الأوردة في سورية .
الخطوة الثانية التي اتخذها حلف العدوان هي تكثيف السعودية وقطر للتحرك من خلال الحدود الأردنية عبر إرساليات جديدة من السلاح والأموال والمسلحين ظهرت خلال الأيام القليلة الماضية بصورة تعاكس ما اعتبر انكفاء عن الانخراط في حلف العدوان بعد لقاء الرئيس بوتين مع الملك الأردني وهذه الخطوات تجري بناء لتوجيهات أميركية مؤكدة.
ثانيا التدخل الأميركي المباشر عسكريا بات قائما بإرسال وحدة الخبراء والمستشارين التي تعمل مع الوحدات الكردية وهي مكلفة بإيجاد رقعة تواجد تصلح للتوسع وتسابق الحملة الروسية السورية إلى الرقة كما تبين التسريبات الصحافية عن مشاريع حشد عسكري متعدد الجنسيات .
التقارير الصحافية المسربة بهذا الخصوص أقرب لبالونات الاختبار كمثل تصريحات جون كيري ولوران فابيوس عن الاشتراك مع القوات العربية السورية في القتال ضد داعش وعن تأهيل الجماعات المسلحة المزعومة للمعارضة التي كلفت بتلميعها المملكة السعودية الشريكة مع تركيا وقطر في رعاية الإرهاب وتأصيله على مستوى العالم والاختلاف بين اسطنبول والرياض يطال المفاضلة بين تنظيم الأخوان والجماعات الوهابية السلفية وليس أصل التكفير والإرهاب الذي تقدمان له الدعم والحماية بجميع فصائله وتعبيراته من داعش وجبهة النصرة إلى جيش الإسلام وجيش الفتح واحرار الشام وغيرها من المصنفات القاعدية الشكل والجوهر وما يدور في الرياض من لقاءات تحت يافطة توحيد المعارضة ليس سوى حركة خبيثة لقطع الطريق على مسار فيينا الروسي متفق عليها بتوجيه اميركي .
ثالثا الولايات المتحدة هي القيادة الفعلية لحلف العدوان وجميع الخطوات السياسية والعسكرية التي تتخذها الحكومات المتورطة في الحرب على سورية هي تجسيد لقرار اميركي ولا أساس سياسيا او عمليا يدعم الفرضية البلهاء عن خروج حكومات تابعة عن سيطرة السيد الأميركي والدليل البسيط هو فشل جميع محاولات موسكو وطهران الهادفة للتأثير على اندفاع الحكومات العميلة انطلاقا من متاعبها الخاصة وباستثمار نتائج تورطها السياسية والعملية.
الدهاء الأميركي بتصنيع مسافة افتراضية عن هذه الحكومة او تلك ناتج عن ميزان القوى العام الذي يجعل الإمبراطورية الأميركية متحوطة من دفع الثمن في أي خطوة فاشلة كإسقاط الطائرة الروسية وهذا هو معنى استراتيجيات القيادة من الخلف التي تعتمدها حكومة الولايات المتحدة التي تدفع عملاءها إلى الواجهة وتختبيء فإن حققوا نتائج سارعت لحصادها وإن فشلوا أطلقت مبادرات الاحتواء السياسي .
منذ حزيران 2012 تعاقبت موجات التفاؤل بالتزام واشنطن بما يعلن من تفاهمات مع روسيا بشأن الموضوع السوري وقد خابت رهانات المتفائلين لأن الإمبراطورية تعرف جيدا ما فعلته وتدرك ان محور الصراع في سورية هو مستقبل التوازنات العالمية ولم يكن حشد الإرهابيين ودعمهم بالسلاح المتطور وانظمة الاتصالات الحديثة او توزيع الأدوار بين الحكومات التابعة من السعودية وتركيا وقطر والأردن غلطة تقنية في إدارة الحرب … الولايات المتحدة لا تريد حلا في سورية يكرس انتصار هذه الدولة العاصية والمتمردة وزعيمها التحرري وبعد فشلها في تحقيق خطتها ومشروعها التدميري تسعى لتأخير الخاتمة المحتومة بكل ما اوتت من قوة مع الحكومات التابعة والعميلة والإدارة الحالية تعمل على تعطيل المبادرات والتسويات لنقل الملف إلى مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية التي تضج اجواؤها بدعوات التدخل العسكري والحروب .