حروب أوباما العالقة والمستمرة
غالب قنديل
عندما انتخب باراك اوباما لرئاسة الولايات المتحدة أعطت المؤسسة الأميركية الحاكمة عنوانا رئيسيا لولايته هو الخروج من حربيها العاثرتين في العراق وأفغانستان وتخيل كثيرون ان اوباما سيكون قائد عملية التكيف الاستراتيجي الأميركي مع التوازنات القاهرة في العالم وبالتالي فإنه سيعمل بمنطق الشراكة مع القوى الناهضة والمنافسة في العالم ويسحب الجيوش الأميركية التي أرسلها سلفه دبليو بوش وعصابة المحافظين الجدد فيغلق الحروب العالقة والمفتوحة لينخرط في صياغة معادلات الشراكة الجديدة في الواقع الدولي معترفا باستحالة الهيمنة الأحادية التي بشر بها سلفه وسعى لفرضها بالقوة لكن شيئا من ذلك لم يحصل في الواقع.
أولا ما يصطلح على تسميته بالمؤسسة الحاكمة الأميركية هي القوة الفعلية التي تقود الولايات المتحدة في ظل رئاسة اوباما منذ انتخابه وهو ما عبرعنه وجود وازن للجمهوريين والمحافظين في إدارته إضافة لمحازبيه الديمقراطيين ولنتذكر ان وزراء الدفاع الذي اختارهم اوباما أو اختيروا له خلال ولايتيه كانوا من الجمهوريين البارزين من روبرت غيتس الذي استمر على رأس البنتاغون بعد الانتخابات الرئاسية بتكريس من اوباما إثر انتهاء ولاية بوش الثانية وصولا إلى الوزير الحالي آشتون كارتر بينما عشش المحافظون في أروقة الخارجية الأميركية من خلال الدور النشط لمعاونة الوزير فيكتوريا نولاند التي صعد دورها مع هيلاري كلينتون وكذلك مع جون كيري كما ان رئيس الأركان السابق ومن ثم مدير الاستخبارات المركزية الجنرال ديفيد بيترايوس كان من نجوم إدارة أوباما البارزين في الشؤون العسكرية والمخابراتية وهو الذي رسم استراتيجية الانتقال من التدخل العسكري المباشر إلى الحروب بالواسطة التي حشدت فيها فصائل القاعدة وعبيء لخوضها مئات الآلاف من جيوش المرتزقة وعصابات الإرهاب التكفيري في العالم بإشراف الولايات المتحدة وهو من اختار سورية ميدانا لاختبار هذا المخطط واليوم يقال الكثير عن دور معاون بيترايوس البارز الجنرال جو ألن وهو مهندس خطة تجنيد الجماعات القاعدية وإحياء دورها والتخطيط لقيام ولاية سلفية في العراق وسورية كما هو المعين قائدا للحرب على داعش أي مسؤولا عن ترويض الكيان الإرهابي الذي رعا ولادته في السنوات الماضية وبالتالي ينبغي الاعتراف بأن ولايتي اوباما تميزتا بالانتقال من التورط العسكري المباشر إلى الحروب بالواسطة ويبدو واضحا ان الرئيس الأميركي الحالي يهيء للإدارة الأميركية القادمة – الجمهورية على الأرجح – فرصا جديدة للتدخل العسكري في ميادين عديدة .
ثانيا انتخبت إدارة أوباما تحت شعار الخروج من حروب إدارة بوش وهي في الواقع فتحت كمية جديدة من الحروب بالواسطة ( ليبيا – سورية – اليمن – مصر – اوكرانيا إلخ …) وأعلنت عن خطط لخروج القوات الأميركية من أفغانستان والعراق تتضمن إبقاء الآلاف من المستشارين العسكريين والأمنيين وتستثمر واشنطن حاليا تصاعد النشاط الإرهابي الذي رعته ودعمته في الخفاء لتصنيع ظروف مناسبة للتدخل من جديد في العراق ولتمديد وجودها العسكري في أفغانستان.
السير في طريق التفاهم النووي مع إيران ربما كان الخيار السلمي الوحيد في إدارة النزاعات الذي انتقته إدارة اوباما بالاضطرار نتيجة مأزقها ومأزق الكيان الصهيوني في المنطقة وهي رغم ذلك ماضية في تأجيج النزاعات من حول إيران وتدير الجهود الهادفة لتمزيق البلاد العربية والعالم الإسلامي مذهبيا والدور الأميركي في قيادة حرب اليمن وإدامة ازمة البحرين والتصعيد في سورية غني عن البيان ولا تدخر الولايات المتحدة جهدا لمطاردة الدور الإيراني أو الروسي الصاعد انطلاقا من الصمود الكبير للدولة الوطنية السورية ورئيسها المحتضن شعبيا وليست حادثة إسقاط الطائرة الروسية من خارج التدبير الأميركي لمن يدقق.
ثالثا على أبواب الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف المقبل يرعى الرئيس اوباما بصورة متوازية مساري التصعيد والتسويات معا في جميع الحروب التي فتحها وتلك التي لم يغلقها وتنجز إدارته تحضير الشعب الأميركي لاحتمال التصعيد في تلك الحروب من خلال الحملات السياسية والإعلامية التي يلتقي فيها الرئيس ومعاونوه والمحافظون الديمقراطيون والجمهوريون على استهداف روسيا والصين وإيران وسورية وهم يقومون بإحياء حملات التخويف التي حضرت بها إدارة بوش غزو أفغانستان واحتلال العراق ويروج المحافظون من الحزبين لنظريات التدخل العسكري المحدود ويستعيدون وصفات حروب التدخل العسكري السريع المندمجة بالحروب بالواسطة من خلال الدعوة لإرسال كتائب اميركية من المدربين والخبراء والقادة لدعم قوات عميلة على الأرض وهذه وصفة يتبناها محافظون من الجمهوريين والديمقراطيين في آن معا ولو كان بينهم اشتباك وسجال على تعيين العدو رقم 1 بين الصين وروسيا في حين إنهم متفقون على غزو متجدد لقوس الأزمات في ما يسمونه الشرق الأوسط الكبير بذريعة التصدي للإرهاب والدافع الفعلي هو حماية الهيمنة الإمبراطورية الأميركية في العالم .
بين الإمبراطورية الأميركية والقوى المناهضة للهيمنة سباق على الزمن والميدان السوري هو مركز تشكل المعادلات الدولية المقبلة وفرض القوائع القاهرة على الأرض قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية هو التحدي الراهن الذي ينبغي ان تتلاقى جهود حلف التحرر والاستقلال على انتزاعه من براثن حلف العدوان .