الرئاسة الطائرة: لا إذن بالهبوط بعد ابراهيم الأمين
لا يزال ترشيح النائب سليمان فرنجية متنقلاً في الأجواء، في انتظار أن يحط القرار في بيروت. من المرات النادرة، يعوّل الجميع كثيراً على العنصر المحلي في إنجاز التسوية، بين صمت حزب الله وغضب القوات اللبنانية وحذر الرئيس نبيه بري وريبة النائب وليد جنبلاط
عاد الغموض ليسيطر على مصير جلسة انتخاب الرئيس المقررة في السادس عشر من الشهر الجاري. ولا يبدو أن الأمر ممكن في ظل استمرار امتناع حزب الله عن الإدلاء بموقفه العلني من الموضوع، بينما يستمر الرئيس سعد الحريري في جهوده داخل فريق 14 آذار حتى يتسنى له إعلان الترشيح رسمياً ورمي الكرة في ملعب الفريق الآخر.
جديد الساعات الماضية، «حذر وارتياب» عند النائب وليد جنبلاط الذي فشل في الحصول على موقف داعم من حزب الله لمسيرة التسوية القاضية بانتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية. كذلك، احتجاجه، على عدم توصل السعودية والرئيس سعد الحريري الى تسوية لمشكلة اعتراض القوات اللبنانية وبقية مكونات 14 آذار المسيحية. ويرى جنبلاط في هذه العقد ما يعطل خروج موقف واضح من الكنيسة المارونية، وما يتسبب بإحراج إضافي للرئيس نبيه بري، الذي قال لزواره إنه إذا استمرت البلبلة والغموض، فلن تكون الجلسة المقبلة جلسة انتخاب الرئيس.
ومع أن مصادر أنصار التسوية تنفي أن يكون هناك أي اتفاق مسبق على موعد لإعلانها وتنفيذها، إلا أن مناخات الساعات الـ 24 الماضية لم تحمل جديداً على صعيد مواقف أبرز اللاعبين المحليين والإقليميين. ويمكن عرض لوحة مواقف هؤلاء خلال الساعات الأخيرة على الشكل الآتي:
فرنجية
يكثف النائب فرنجية اتصالاته المحلية والإقليمية والخارجية، وهو يهتم بالحصول على أكبر دعم. لكنه يركز داخلياً على حوار مباشر مع حزب الله، وعلى تواصل «يشوبه التوتر» مع العماد عون. وآخر الأخبار الآتية من سوريا، حملها النائب طلال أرسلان الذي التقى الرئيس بشار الأسد الأسبوع الماضي، وسمع منه الموقف ذاته: «معطيات الملف عند السيد حسن نصرالله، اذهبوا إليه واتفقوا معه». وهو جواب ظل الأسد حريصاً على تكراره، رغم أن أرسلان «عرض أهمية التقاط الفرصة غير المسبوقة بوصول حليف قوي كسليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية».
لكن فرنجية مهتم أيضاً بإزالة الالتباس حول موقفه، وخصوصاً أنه يعبر تكراراً عن انزعاجه من المواقف السياسية أو الإعلامية الصادرة «عن حلفاء لنا»، وفيها «اتهام وكأنني أقدمت على خيانة مبادئي». ولا يخفي فرنجية أمام سائليه أنه «مهتم بقوة بالفرصة المتاحة، وأنه حتى اليوم لم يلتزم مع أحد من الطرف الآخر بأي موقف يمكن تفسيره على أنه تراجع عن ثوابت أو مبادئ». وعندما سأله البعض عن حقيقة ما دار بينه وبين الحريري، قال فرنجية: «لقد عرض الرجل العديد من الملفات والقضايا، وأنا قلت له إنني ألتزم معه برئاسة وحكومة وفاق وطني. وعندما أصر على طرح موضوع قانون الانتخاب أجبته: إنه أمر يحتاج الى توافق يتجاوزني». ونفى فرنجية «كل الأنباء عن أن الحريري طالبه بالحصول على ضمانات مسبقة من حلفائه في حزب الله للمرحلة المقبلة».
لكن فرنجية «شديد الحذر» بسبب امتناع حزب الله عن إطلاق موقف يدعم وصوله، وهو يظهر احتجاجاً واضحاً على محاولة خصومه أو منافسيه تشكيل تحالف سياسي جديد في مواجهته، علماً بأنه لم يسع الى تبرير زيارته «غير الضرورية» للنائب جنبلاط، بحسب أوساط بارزة في فريق 8 آذار.
الحريري
من جهته، انتقل الرئيس الحريري مجدداً الى الرياض، وهو يجري من هناك اتصالات؛ بعضها مع القيادات السعودية بهدف حثها على لعب دور مباشر مع رئيس القوات سمير جعجع، وبعضها الآخر يتعلق بقيادات من فريق 14 آذار، وبعض قيادات المستقبل نفسه. وهو أرسل أمس بطلب مدير مكتبه نادر الحريري ووزير العدل أشرف ريفي. الأول للتشاور معه حول ترتيبات تخص احتمال عودته قريباً الى بيروت، وإعلان بيان رسمي بترشيح فرنجية، وعقد لقاءات عامة، أو ندوة صحافية، لشرح الموقف، وعقد لقاءات مع كوادر تيار المستقبل، وهي النقطة التي تثار مع ريفي الذي «تبلغ» انزعاج الحريري من حملته على فرنجية، واتهام ريفي من قبل قيادات شمالية بالوقوف خلف موجة الاعتراض في أوساط المستقبل والإسلاميين على ترشيح فرنجية.
لكن هاجس الحريري الأساسي يتعلق برئيس حزب القوات. وهو يبحث في حقيقة المعلومات التي تصله عن موقف الأخير الرافض لأي تسوية تأتي بفرنجية رئيساً. وتحدثت قيادات في 14 آذار عن مغريات يقدمها الحريري لجعجع، من بينها التزام مسبق بقانون الانتخاب الذي يتمسك به جعجع وسبق أن قدمه مع تيار المستقبل والحزب الاشتراكي، إضافة الى حصة وازنة في الحكومة مع تسمية الحقائب التي يريدها، وصولاً الى زيارة فرنجية معراب.
بري وجنبلاط
أما على جبهة الحليفين بري وجنبلاط، فإن رئيس المجلس يحافظ على مسافة من النقاش العام حول الملف برمته. هو لا يخفي تأييده وصول فرنجية، لكنه يخشى عدم حصول توافق كبير، لا داخل الجبهة الحليفة لفرنجية، ولا في الجبهة المقابلة. ونقل عن بري أنه لا يرى الأجواء مناسبة، الآن، لتحويل الجلسة المقبلة الى جلسة انتخاب، إلا إذا خرجت الى العلن خلال الأسبوع الحالي مواقف حاسمة في تأييدها لوصول فرنجية. وينقل عن بري نفيه أن يكون قد تلقى جواباً أو موقفاً من حزب الله، وأن الحزب متوافق معه على أن فرنجية حليف رئيسي كما العماد عون، وأن المسألة تحتاج الى بحث وتأنّ أكثر.
وكان بري قد استقبل الوزير وائل أبو فاعور موفداً من النائب جنبلاط، ونقل إليه الأخير أجواء لقائه مع رئيس الكتائب سامي الجميل، حيث لا يزال موقفه غير حاسم، كما نقل إليه موقفاً جديداً ولافتاً للنائب جنبلاط مفاده أنه إذا لم نحصل على تأييد واضح من حزب الله، أو عدم ممانعة على الأقل، فلا يجب السير في جلسة السادس عشر المقبلة، وأنه لا بأس من التروي قليلاً، علماً بأن مصادر أكدت لـ»الأخبار» أنه مع الإشارة الى أن بري يواصل سؤال زواره: لننتظر أولاً إعلان الحريري رسمياً ترشيح فرنجية.
جعجع
أما على صعيد «القوات اللبنانية»، فإن المعلومات ظلت متضاربة حول حقيقة ما ينقله زوار جعجع عنه، علماً بأن مصدراً واسع الاطلاع قال إن رئيس القوات أبلغ الوزير نهاد المشنوق ملاحظاته وخلفية موقفه الرافض لترشيح فرنجية، وأنه يريد شروحات مباشرة من القيادة السعودية، لا من سفير الرياض في بيروت أو حتى من الرئيس الحريري. وتضاربت المعلومات هنا، حول حقيقة ما إذا كان مدعواً لزيارة الرياض، أو أن السعودية لا تريد مفاوضته على قرارها.
وبينما «مرر» النائب عن «القوات» أنطوان زهرا قبل يومين، رسالة تلويح عندما قال إن حزبه يفضل العماد عون على فرنجية، كررت مصادر في «القوات» أن خيار ترشيح عون جدي، وأن الاتصالات الجارية الآن تمهد لقرار «نوعي» سيصدر عن القوات ويعلنه جعجع شخصياً. وتحدثت المصادر عن أن جعجع أبلغ جهات عدة أنه «مستعد للذهاب أبعد من رفض ترشيح فرنجية، وأنه يشعر بطعنة غدر، وهو أصلاً لم يسمع بالملف إلا من خلال وسائل الإعلام، وأنه يفكر بفك تحالفه مع مسلمي 14 آذار، وسيعود الى التفكير جدياً بمصلحة المسيحيين حصراً، وأنه يحسد التيار الوطني الحر على وفاء حليفه حزب الله له والبقاء الى جانبه».
ولاحظ زوار قائد «القوات» أنه يسأل كل من يلتقيه مباشرة: إلى أي حد تعتقدون أن حزب الله سيظل داعماً لوصول العماد عون؟
(الأخبار)